ماونغ زارني: مرر مجلس النواب الأمريكي، الخميس، بأغلبية ساحقة قرارا يصف الجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن الميانمارية ضد مسلمي الروهينجا بأنها “إبادة جماعية”، وكان هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله.
ينص قرار مجلس النواب على أنه “ينبغي على كل هيئة حكومية ومتعددة الأطراف (في العالم) أن تسمي هذه الفظائع (ضد الروهينجا) بأسمائها الحقيقية، وهي “جرائم ضد الإنسانية”، و”جرائم حرب”، و”إبادة جماعية”.
ويحتوي القرار على دعوة من شأنها أن يتردد صداها بشكل جيد لدى الكثيرين في صفوف القوات المسلحة في ميانمار ممن هم غير راضين عن قائد الجيش، الجنرال مين أونغ هلاينغ، حيث يضيف هذا القرار القائد الأعلى للجيش، إلى قائمة القادة العسكريين الذين يعتبرون مسؤولين عن هذه الجرائم.
وعلى الرغم مما يتردد عن تراجع كبير في قوة الولايات المتحدة على مستوى العالم، ما زالت واشنطن تحتفظ بنفوذ وامتداد لا مثيل لهما، عسكريا ومؤسسيا واقتصاديا وفكريا.
وعلى خلفية هذا الواقع، فإن الموقف القاطع الذي اتخذه المشرعون الأمريكيون ضد الإبادة الجماعية في ميانمار يحمل بين طياته إمكانات هائلة لإنهاء البؤس الذي لا يمكن تصوره، والذي يعاني منه 1.5 مليون شخص من الروهينجا المسلمين، سواء في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش أو في أماكنهم الأصلية في ولاية آراكان، غربي ميانمار.
ومع ذلك، فإن النداءات الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بإحالة المسألة إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو إلى محكمة جنائية دولية مخصصة لميانمار، أو حتى العقوبات الاقتصادية وحدها، لن يكون لها أي تأثير ملموس على الجيش الميانماري، الذي أرسى طابعا مؤسسيا، بشكل متعمد، على عملية تدمير الروهينجا كمجموعة مستهدفة منذ سبعينيات القرن العشرين.
كما أن ذلك لن يكون له تأثير على أغلبية الشعب الميانماري، الذين تم غسل أدمغتهم بشكل جعلهم يعتقدون بأن أي اتهامات بالإبادة الجماعية من جانب الأمم المتحدة، أو أي جهة خارجية هي “أخبار مزيفة أعدها الغرب الليبرالي ومؤامرة إسلامية تم تمويلها وتنسيقها من قبل منظمة التعاون الإسلامي”.
وسيظل الأمر كذلك، ما لم تبد الولايات المتحدة استعدادها لفكرة تدخل عسكري في ميانمار، وتنفيذها عن طريق أسطول الولايات المتحدة في المحيط الهادئ الذي يمكنه توجيه ضربات صاروخية “دقيقة” من المياه الدولية في خليج البنغال ضد المقار العسكرية لقادة الجيش في مدينة “نابيداو”.
والجدير بالذكر أن استخدام القوة العسكرية في سبيل التدخل الإنساني ليس أمرا غير مسبوق، ودليل ذلك هو قصف حلف شمال الأطلسي (ناتو) لقصر “سلوبودان ميلوسيفيتش”، على خلفية ارتكابه جرائم حرب ضد مسلمي البوسنة، والضربة “العرضية” على سفارة الصين في بلغراد.
وقبل بضعة أشهر، طالب رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، علانية، بهذا “التدخل” لإنهاء تلك الفظائع ، وذلك في محاضرة عامة بمجلس العلاقات الخارجية في نيويورك.
خيار غير واقعي
ومع ذلك، قد لا يكون هذا خيارا متوقع حدوثه، لعدة أسباب، إذ لم يبد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أي قلق على الإطلاق بشأن أنباء قيام جنود ميانمار بإحراق أطفال مسلمي الروهينجا وشيوخهم وهم على قيد الحياة.
لم ترد كلمة “الروهينجا” مرة واحد في أي تغريدة من تغريدات ترامب، كما لم يلفت الانتباه إلى الظروف العصيبة التي يعيشون فيها.
بالإضافة إلى ذلك، وبسبب أن ميانمار تقع بين الهند والصين، وكلاهما يتنافس على النفوذ في ميانمار من خلال التعاون الاستراتيجي والعسكري والاقتصادي، قد لا تكون ميانمار مكانا مثاليا لضربات بطائرات دون طيار أو ضربات صاروخية أمريكية، خشية أن تجر مثل هذه الأعمال هاتين الدولتين الآسيويتين إلى عمل عسكري.
وفيما يتعلق بخيار فرض عقوبات اقتصادية شاملة وقوية، فإنه من غير المحتمل إلى حد كبير، أن تفرض الولايات المتحدة مثل هذه العقوبات الشديدة نظرا لأن أكبر المستثمرين في ميانمار (الصين وتايلاند وسنغافورة وهونغ كونغ والمملكة المتحدة)، سيخففون بشكل كبير من آثار تلك العقوبات”.
وتعتبر الصين ميانمار، وهي بلد يقع في ساحتها الخلفية، جزءا لا يتجزأ من مشروعها التجاري الرئيسي “حزام واحد، طريق واحد”، وبالتالي فإن أي حديث عن إقناع الصين أو روسيا بما لهما من علاقات عسكرية عميقة مع ميانمار، لدعم أي إجراءات عقابية في إطار آليات العدالة والحوكمة العالمية القائمة، عن طريق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ليس سوى ضربا من الخيال.
وهناك مصالح تجارية متشابكة بين ميانمار وجيرانها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ثمة مساع بريطانية حثيثة لإيجاد صفقات تجارية ثنائية خارج الاتحاد الأوروبي، الذي انفصلت عنه، بشكل يضمن تحقيق مصالح تجارية بريطانية، ومن ثم تتخذ بريطانيا جانبا مؤيدا لميانمار في الهيئات الدولية بحكم الحقيقة التاريخية المتمثلة في أنها كانت مستعمرة سابقة للبلاد، والأهم، بحكم حقيقة المصالح الاقتصادية.
في مقابلة مطولة مع مجموعة “ميزيما الإخبارية” المحلية في 12 ديسمبر /كانون الأول الجاري، قال السفير البريطاني في ميانمار، دانيال تشوج: “نحن خامس أكبر مستثمر على الإطلاق في ميانمار، مجموع مخزوننا الاستثماري هنا أكثر من 4 مليارات دولار، وبلغ حجم تجارتنا في العام الماضي حوالي 500 مليون دولار، وهو ما يزيد بنسبة 20 في المئة عن العام السابق.. آمل أن تتحسن هذه الأرقام أثناء وجودي هنا “.
الإجراءات الأمريكية بغض النظر عن مدى قوتها ستفتقد ما هو مطلوب لإنهاء الإبادة الجماعية في ميانمار.
خطوات يمكن اتباعها
الحقيقة المؤلمة التي يتم التغاضي عنها عادة هي أنه لم يتم ارتكاب أي إبادة جماعية على الإطلاق من قبل دولة منفردة، فبدءا من الإبادة الجماعية النازية إلى البوسنة، ثم رواندا، هناك دائما دول تتعاون وتعزز بعضها البعض.
ويجب أن تكون الخطوة الأولى الحقيقية نحو إنهاء الإبادة الجماعية في ميانمار هي مؤتمر دولي للدول التي أعربت عن مخاوفها رسميا بشأن طبيعة الجرائم الخطيرة التي ترتكبها ميانمار.
وهناك 47 دولة عضو صوتت لصالح قرار مجلس حقوق الإنسان الدولي في خريف العام الجاري، الذي يدعو إلى محاسبة مرتكبي تلك الجرائم في ميانمار.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تعد عضوا في المجلس، فإن القلق الشديد في الداخل الأمريكي بشأن الإبادة الجماعية في ميانمار، كما يتضح من تصويت مجلس النواب، الخميس، يجعل الحكومة الأمريكية في وضع أفضل يؤهلها لاستضافة مثل هذا المؤتمر بواشنطن.
ويجب أن يكون الهدف الأساسي للمؤتمر تشكيل ائتلاف من الحكومات المستعدة لاستخدام مواردها وتأثيراتها الإستراتيجية وحتى أجهزتها العسكرية لممارسة الضغط الكافي على كل من جيش ميانمار وقيادة مستشارة الحكومة، أونغ سان سو تشي.
ودون ضغوط كافية، لن تقبل ميانمار ـ أي الحكومة المدنية والجيش ـ مسلمي الروهينجا كمواطنين لهم حقوق وواجبات كاملة ومتساوين مع غيرهم.
ويمكن أن يحظى هذا التحالف الدولي بدعم من منظمات المجتمع المدني بتلك الدول وحركات حقوق الإنسان من أجل تكثيف الضغوط على نظام ميانمار.
يشار إلى أن جيش ميانمار ومليشيات بوذية يرتكبون، منذ أكثر من عام، جرائم واعتداءات ومجازر وحشية ضد الروهينجا في أراكان.
وأسفرت الجرائم المستمرة منذ ذلك الحين، عن مقتل آلاف الروهينجيين، حسب مصادر محلية ودولية متطابقة، فضلا عن لجوء قرابة مليون إلى بنغلادش، وفق الأمم المتحدة.
وتعتبر حكومة ميانمار الروهينجا “مهاجرين غير نظاميين” من بنغلادش، فيما تصنفهم الأمم المتحدة بـ”الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم”.
(الأناضول)