في الوقت الذي نالت فيه حكومة حيدر العبادي المعدّلة، استحساناً شعبياً واسعاً في العراق بسبب ما اعتُبر بداية إصلاح سياسي وابتعاد عن الشخصيات السياسية والدينية التي هيمنت لسنوات طويلة على الوزارات و”العملية السياسية” ما بعد احتلال عام 2003 عموماً، تكشف معلومات عن رفض طهران لتشكيلة الحكومة الحالية وإبلاغ الأحزاب الموالية لها في البرلمان برفض ستة وزراء منها خلال التصويت المقرر على التشكيلة الأسبوع المقبل، وهو ما يعني عودة الأزمة إلى مربعها الأول ويهدد بتطورها إلى ما هو أبعد من ذلك.
الرفض الإيراني تُرجم بمواقف عدد من الكتل والأحزاب المعروفة بموالاتها للنظام في طهران، أكثر من سواها، مثل أحزاب “الفضيلة” و”الدعوة” و”بدر”، إذ بدأت تتسرّب، منذ صباح أمس السبت، مواقف من هذه الأحزاب تمحورت بين رفض التشكيلة بشكل كامل، وبين الطعن بشخصيات فيها، نال الشريف علي بن الحسين المرشح لوزارة الخارجية، النصيب الأكبر منها.
وتسلّم البرلمان العراقي، مساء الخميس، ملف التعديلات الحكومية من العبادي، بعد اتفاق البرلمان على تسلّمها ثم التصويت عليها في غضون 10 أيام، فيما يتم اعتماد التعديلات المتعلقة بوكلاء الوزراء والمدراء العامين ورؤساء الهيئات والمؤسسات الأخرى، كالقضاء والبنك المركزي ومفوضية الانتخابات، بعد شهر من إقرار التعديل الحكومي الجديد.
”
عضو في “التحالف الوطني”: إيران غير راضية عمّا جرى وترفض وصول بعض الشخصيات إلى الحكومة
”
وكشف عضو بارز في “التحالف الوطني”، شارك في معظم اجتماعات الكتل السياسية التي تمخضت عنها تشكيلة الحكومة الجديدة، أن إيران غير راضية عمّا جرى وترفض وصول بعض الشخصيات إلى الحكومة. وأضاف العضو بالتحالف الذي ينتمي إلى كتلة “مستقلون”، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الموقف الإيراني من التعديلات الجديدة كان سلبياً”، موضحاً أن “إيران متفاجئة من ترشيح شخصيات لها مواقف سلبية تجاهها، مثل الشريف علي بن الحسين ووزير التخطيط والمالية علي علاوي ووزير التربية صالح الجبوري”.
ولفت إلى أن “هناك إشارات واضحة على قبول المرجع الأعلى السيد علي السيستاني ما تحقق، وهذا عامل مساعد في طريق إقرار البرلمان للتشكيلة الحكومية”، معتبراً أن “الشارع العراقي لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات، خصوصاً مع استمرار توافد مواكب الشهداء والجرحى إلى الجنوب من مناطق القتال مع تنظيم داعش، وسط الفقر والبطالة المخيفة”، مضيفاً: “كلنا قلقون الآن، وستكون الأيام السبعة الباقية فاصلة وستتغيّر فيها مواقف وتتبدّل آراء كتل مختلفة”.
وأبرزت كتل وأحزاب سياسية موالية لإيران مواقفها بشكل أولي، أشارت فيها إلى التحفظ أو الرفض، ما يثير القلق من عدم إقرار التشكيلة الحكومية أو استبعاد بعض الأسماء منها، ما يعيد المشهد إلى مربعه الأول. وقال القيادي في كتلة “دولة القانون” التي يتزعمها نوري المالكي، النائب كريم الزيدي، في تصريح صحافي، إن “الكرة أصبحت الآن في ملعب مجلس النواب، وهو الذي يحدد ما إذا كان سيوافق على التشكيلة الحكومية أم سيرفضها كلها، وذلك بتشاور الكتل السياسية في ما بينها”. واعتبر أن تسلّم البرلمان التشكيلة الوزارية الجديدة، بداية الأزمة الفعلية والحقيقية في الحكومة العراقية، مضيفاً: “واهمٌ من يعتبر أن الأزمة انتهت بتسليم رئيس الوزراء الظرف الذي يضم أسماء حكومة التكنوقراط، بينما الأزمة الفعلية والحقيقية بدأت الآن، في اختيار الشخصيات المناسبة لشغل الحقائب الوزارية”.
من جهته، قال رئيس كتلة “الفضيلة” النيابية عمار طعمة، في مؤتمر صحافي عقده في البرلمان وحضرته “العربي الجديد”، إن “بعض المرشحين للحكومة الجديدة تاريخهم سيئ، وهم من أزلام النظام السابق، وهذا يتعارض مع أغراض وغايات الإصلاح المنشود”. وأضاف طعمة أن “حزب الفضيلة يدعم كل الخطوات الإصلاحية المدروسة والهادفة، لكن يجب أن يكون ذلك ضمن المعايير والموازين الأساسية المعروفة”. واقترح أن “يُشرّع البرلمان قانوناً يلزم أي وزير جديد بعدم الترشح للانتخابات المقبلة”.
في المقابل، رأى عضو كتلة “بدر” القيادي في مليشيا “الحشد الشعبي”، علي الطائي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن بعض الوزراء المرشحين ممّن يحملون جنسيات بريطانية وأميركية “لا يمكنهم خدمة العراق”، معتبراً أن “إخراج شخصيات جهادية وإسلامية بارزة قارعت قوى الاستكبار والصهيونية من الحكومة وجلب شخصيات مغايرة تماماً، أمر مرفوض من قبلنا”.
”
حسين البصري: المعترضون على تشكيلة التكنوقراط لم يقدّموا سبباً مقنعاً حتى الآن
” وفي رد على تلك المواقف، قال عضو التيار الصدري عن البصرة حسين البصري، لـ”العربي الجديد”، إن “المعترضين على تشكيلة التكنوقراط لم يقدّموا سبباً مقنعاً حتى الآن”، لافتاً إلى أن “محاولة بعض الشخصيات السياسية الفاسدة إعاقة الإصلاح معروفة لجميع العراقيين، وفي حال استمر الفشل سيكون توجّهنا سحب الثقة من الحكومة بما فيها رئيس الوزراء نهائياً”.
من جهته، أكد المحلل السياسي العراقي محمد أمين، لـ”العربي الجديد”، أن “طريق إقرار التعديل الجديد لن يكون سهلاً مع التطورات التي شهدتها مواقف الكتل السياسية خلال الساعات الماضية”، متوقعاً أن تتبلور الصورة خلال اليومين المقبلين حول إمكانية منح الحكومة الثقة أم لا، مرجّحاً أن تكون الأمور أمام خيارات عدة، إما تعديلاً جزئياً بالأسماء المرشحة لشغل مناصب وزارية، أو نسف التشكيلة كلياً تحت ذريعة ما جاء في الدستور حول إلزام رئيس الوزراء بستة أشهر بعد تقديمه سبباً مقنعاً لإقالة الوزير السابق وتسمية وزير جديد، وهو ما بات يُلوّح به البعض من خلال حديثه عن رفضه التشكيلة، وخلال ذلك كله يبقى الجميع قلقاً من عدم انتهاء الأزمة التي توقّع الجميع نهايتها”. وأضاف: “لو وافقت إيران على التشكيلة لوافقت أحزاب وكتل التحالف عليها، وهنا تكمن أغلب أسباب مشاكل العراق السياسية”.
العربي الجديد