لندن – “القدس العربي”: تحت عنوان “الحرب وصلت إلى داخل عائلة الأسد” نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا أعدته أنشال فوهرا قالت فيه إن الديكتاتور السوري ربما سحق الانتفاضة ولكن الأرض باتت تهتز من تحت قدميه.
وبدأت فيه بالقول إن علي سليمان الوحش نال لقب “الأسد” في العشرينات من القرن الماضي لأنه ناشد الفرنسيين حماية الطائفة العلوية في سوريا ذات الغالبية السنية. وقرر اتخاذ لقب “الأسد” بدلا من اسم العائلة الوحش، ولم يكن يعرف أن أبناءه وأحفاده سيحكمون يوما سوريا بل وسيختلفون على غنائم الدولة. وكان الصدع في العائلة واضحا في الثمانينات من القرن الماضي عندما حاول رفعت الأسد الإطاحة بشقيقه الرئيس حافظ الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب قبل عقد من الزمان. واستطاع حافظ تهميش شقيقه وعلم ابنه بشار كيفية قمع التمرد في مهده، عائليا كان أم غير ذلك. وتعلم بشار الدرس كما يظهر من طريقة قصفه للمدن السورية وقتله وتشريده الملايين من شعبه الذين وقفوا ضده. وفعل نفس الأمر مع عائلته، أبناء العم والخال، حيث شدد قبضته عليهم من خلال حوافز مالية أو التهديد. وفي الشهر الماضي حدث ما لم يتوقعه أحد، فقد تحدى رامي مخلوف، ابن خال الرئيس وأغنى رجل في العائلة، الرئيس الذي طالبه بدفع 230 مليون دولار عن ضرائب متأخرة بشكل مزق مظهر التضامن داخل العائلة. ومنذ ذلك الوقت صدرت أصوات من داخل العائلة تثير أسئلة حول فعالية حكومة الرئيس، موجهين أسهم النقد وإن بطريقة غير مباشرة له. ويعتبر نقد مخلوف لنظام الأسد نقطة محورية، لأن بشار لو خسر دعم وتضامن عائلته وأبناء طائفته فهناك أسئلة حول قدرته على النجاة والبقاء في الحكم. وفي الوقت الذي تعامل فيه مخلوف مع طلب دفع أموال كاستفزاز نظر إليه الأسد عبر منظور تبادل المصالح. فثروة مخلوف التي تقدر بـ 5 مليارات دولار وتضم شركات كبرى مثل سيرياتل لم يكن ليحصل عليها لولا علاقته مع النظام ومباركته. وتواجه سوريا اليوم أزمة اقتصادية خانقة حيث هبط سعر الليرة السورية من 50 ليرة للدولار قبل عام 2011 إلى 3.000 ليرة للدولار عام 2020. وتبلغ نسبة السكان الذين يعيشون في الفقر 90%، والدولة والحالة هذه بحاجة إلى مساعدة من مخلوف. إلا أن هذا المنطق لم يكن مقنعا له. ففي أيار/مايو نشر عددا من لقطات الفيديو على صفحته في “فيسبوك” والتي وإن كانت حافلة بالمجاملات إلا أنها حذرت من خسارة الأسد قطاعا واسعا من أبناء الطائفة العلوية، بما في ذلك الميليشيا التي يدفع لها رجل الأعمال.
بتردي الأوضاع الاقتصادية بدأ أنصار النظام يتساءلون عن التضحيات التي قدموها خلال الحرب. وتوقعوا قطف ثمار ما قدموه مع تراجع القتال من خلال المكافآت والترفيعات والعقود التفضيلية.
وحاول مخلوف استغلال خطوط التوتر الطائفي من خلال التلميح لوجود صدع مع زوجة الرئيس، أسماء، والذي لمح إلى أنها تحاول سرقة أموال الطائفة العلوية، بشكل شكك من التزام الرئيس بحماية الطائفة. ومن هنا منح الخلاف أملا لمعارضي الأسد داخل النظام الذين يأملون أن يخرج ضعيفا من المواجهة داخل العائلة والنظام، حتى لو قاوم الأسد أي تحد له بالقوة. وتشير الكاتبة إلى ريبال الأسد، 45 عاما، وهو ابن رفعت الأسد، الذي دخل عام 1994 بمواجهة مع بشار أمام فندق شيراتون. وطلب منه والده مغادرة البلاد. وعندما حاول ركوب الطائرة أوقفه رجال مسلحون و احتجزوه لساعة أو أكثر وأفرج عنه بعد تهديد رفعت شقيقه حافظ أنه سيدخل معه معركة شوارع لو “مس شعرة من رأس ابنه”. ويعيش ريبال في إسبانيا اليوم ووصف لقطات فيديو مخلوف بأنها مجرد “حيلة تهديد” وضحك عندما شاهدها. وقال: “أعرف شخصيا رامي، فهو جبان ولن يواجه النظام وهو لا شيء بدون بشار” و”يمكنك خسارة حياة بطريقة أقل علاوة على تحدي بشار عبر منصات التواصل، هذا مجرد عرض. ويحاول بشار استخدام رامي لكي يخبر الروس أنه سيخسر الدعم داخل العلويين وستؤثر على مصالحهم في المناطق الساحلية حيث تقع قاعدتهم البحرية والجوية”. وتذكر ريبال أحداث 20 تشرين الأول/أكتوبر 1999 عندما تعرض بيت عائلته في اللاذقية لهجوم عسكري، وذلك للتأكد من خلافة بشار لا رفعت لحافظ الأسد. وقال: “كان عمي حافظ مريضا وخلافته مسألة وقت. وكان النظام يريد تمرير الحكم لبشار والتأكد من عدم وجود معارضة له وسحق أي شخص يعارضه، ولهذا السبب هاجموا بيتنا وأنصارنا”. ولا يزال عدد من أبناء رفعت يعيشون في سوريا وأعلنوا ولاءهم للأسد. ولدى بعضهم شعور بالظلم، ومنهم دريد الأسد الذي لم يعارض النظام وظل يمدح بشار إلا أنه كتب تغريدة بعد لقطات فيديو مخلوف دعا فيها بشار لمقابلة عدد من أبناء العائلة الذين يحملون اسم الأسد ولكنهم لم يروه إلا على التلفزيون. وجاء في التغريدة التي نشرها يوم 7 أيار/مايو: “يقولون إن سوريا تحكمها عائلة الأسد، ولدي طلب، هناك 100-200 من أفراد العائلة لم يقابلوك ويريدون رؤيتك، وعدد منهم كبار في العمر ولديهم أولاد ولكنهم لم يروك إلا على التلفزيون”.
في الوقت الحالي تبدو روسيا مهتمة بالسيطرة على بشار لا استبداله. ومن السهل عليها السيطرة عليه في قابل الأيام أكثر من قدرته على التحكم بالبلاد.
ويرى بسام بربندي، الدبلوماسي السابق المقيم في أمريكا، أن جرأة دريد تحمل مصالح خفية “فهذه الصراحة لا يمكن التسامح معها”. و”الآن يتحدى دريد بشار بوضوح لكي يقدم والده، رفعت، كبديل. ولو لم يكن يعرف أن الطائفة غير غاضبة من الأسد لما تجرأ على هذا”. وتعلق فوهرا هنا بالقول إن ريبال ودريد، في جزء من معارضتهما للنظام، مدفوعان بمزاعم عائلتهما في الزعامة السياسية. إلا أن أفرادا آخرين مثل الجنرال عدنان الأسد، همشوا من العائلة وحرموا من الثروة كتلك التي حصل عليها مخلوف. وقاد عدنان مليشيا سرايا الدفاع التي قاتلت مع الأسد الإخوان المسلمين عام 1982 في “مذبحة حماة” التي قتل فيها آلاف من الإخوان والمدنيين. وفي رسالة كتبها إلى مخلوف قبل فترة اقترح فيها أنه لم يعوض بما فيه الكفاية عن ولائه. وفي الوقت الذي عارض فيه الأصوات التي يطلقها رجل الأعمال ووصفه بـ “الحوت الأزرق بين حيتان المال” فقد صور نفسه بالضحية الحقيقية لفساد النظام ولمح ناقدا وإن بحذر لابن أخيه الرئيس. واشتكى عدنان الأسد قائلا: “أقوم ببيع ممتلكاتي لتأمين احتياجات عائلتي. ولا يتجاوز راتبي 50 دولارا بعد 42 عاما من الخدمة في الجيش”. وتقرأ الرسالة كقصيدة متملقة تتخللها قائمة من الشكاوى حول استغلال النظام له. وفي تشرين الأول/أكتوبر نشرت صحف عربية تقارير عن تحد لحكومة الأسد من عائلة عمته بهيجة والتي قتل ابنها غيدق مروان ديب الذي قاتل مع الأسد في دير الزور بداية الانتفاضة، عندما حاول الجيش اعتقاله في بيته باللاذقية بجرائم غامضة. وبتردي الأوضاع الاقتصادية بدأ أنصار النظام يتساءلون عن التضحيات التي قدموها خلال الحرب. وتوقعوا قطف ثمار ما قدموه مع تراجع القتال من خلال المكافآت والترفيعات والعقود التفضيلية وغير ذلك. وبدلا من ذلك أصبحوا أكثر جوعا وفقرا بسبب إفلاس الحكومة. ويقول بربندي إن الطائفة العلوية مندهشة من قصة مخلوف و”يعتقدون أنهم ضحوا كثيرا بدون مكافأة في النهاية”. و”هم غاضبون عندما يرون أن أولاد الخال يتقاتلون حول المليارات في وقت لا يجد فيه الإنسان العادي قرشا واحدا”. ويرى خبراء أن الأسد يخسر دعم طائفته ولكنه من الباكر الحديث عن نهايته. صحيح أن ريبال ودريد رغبا بأن يكون والدهما الرئيس لا بشار، لكن ماضي رفعت ملطخ بالدم في حماة وعمره 83 عاما ومضى الوقت لكي يخوض معركة من أجل الزعامة. ولكن ريبال شاب ويرغب بأنه يكون له دور في السياسة بسوريا: “طبعا أريد ولكن كمعارض وليس جزءا من الحكومة في هذه المرحلة”. أما العائلة الأخرى التي تحاول العودة فهي عائلة وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس. وكان ابنه مناف من دائرة بشار المقربة قبل انشقاقه عن النظام. وهو يقيم الآن في باريس. وأشار مناف في تصريحات لصحف روسية إلى أن هناك بدائل عن الأسد لو كانت موسكو مهتمة. ويعتقد فراس طلاس، رجل الأعمال المقيم في الإمارات العربية المتحدة، أن شقيقه هو بديل عن بشار ولكنه لن يعود إلى سوريا إلا “عندما يغادر بشار”. وفي الوقت الحالي تبدو روسيا مهتمة بالسيطرة على بشار لا استبداله. ومن السهل عليها السيطرة عليه في قابل الأيام أكثر من قدرته على التحكم بالبلاد.
نقلا عن القدس العربي