نشرت مجلة “فورين بوليسي” تحليلا لمديرة مبادرة الحوار الطريق الثاني في مؤسسة الشرق الأوسط في واشنطن، رندا سليم، حول الدور الإيراني الإقليمي، قالت فيه إنه بالنسبة لأكثرية العرب فإن سوريا تمثل كل ما هو خاطئ في التأثير الإيراني في الشرق الأوسط،
وتبين المجلة أنه منذ عام 2011 دفعت طهران بالمقاتلين بالنيابة عنها، وبالأموال في الأسلحة في سوريا؛ لمنع هزيمة بشار الأسد عسكريا. وقد أدى تدخل حزب الله في حزيران/ يونيو 2013، في مدينة القصير غرب سوريا، إلى تغير رياح الحرب لصالح الأسد.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه “عربي21″، إلى أن مصلحة إيران في سوريا كبيرة، وهناك ثلاث أولويات تحدد سياستها، وهي: الدفاع عن ممر سلاح حزب الله من خلال سوريا، وحتى لا تصبح سوريا منطلقا لمهاجمة الحركة الشيعية في لبنان، ومحاربة المحور السعودي، الذي يحاول الحد من النفوذ الإيراني الجيوسياسي في المنطقة، ولدعم حليف على مدى فترة طويلة.
وتقول المجلة إن بعض المسؤولين في طهران يتحدثون عن سداد الدين المدينين به للرئيس السابق حافظ الأسد؛ لدعمه لإيران خلال ثماني سنوات من الحرب مع العراق. وتخشى إيران إن خسر الأسد أن تستلم السلطة تنظيمات سنية متطرفة ضد الشيعة وإيران وحزب الله.
وتجد سليم أنه من الصعب أن نعرف كيف يمكن للاتفاقية النووية أن تغير من ديناميكية الصراع في سوريا في هذه اللعبة بين محور إيران وتحالف السعودية. ومع أن كل اللاعبين في المنطقة يتحدثون عن الحاجة إلى حل سياسي في سوريا، لكن لا أحد منهم لديه الاستعداد للتخلي عن تحقيق أقصى ما يمكن من أهداف. وفي غياب الحل الدبلوماسي تقوم كل من إيران وتركيا وقطر والسعودية باتباع استراتيجيات عسكرية على الأرض؛ بهدف تغيير التوازن على الأرض لصالح من يقاتل بالنيابة عنهم.
ويلفت التقرير إلى أن قوات النظام السوري منيت مؤخرا بتراجع وخسارات كبيرة أمام تحالف من الثوار الإسلاميين في محافظة إدلب في الشمال، وعلى المعبر الحدودي في نصيب بين سوريا والأردن في الجنوب.
وتستدرك المجلة بأنه بالرغم من هذا، إلا أن الاستثمار الإيراني العسكري والمالي في سوريا آتى أكله؛ فالأسد لا يزال في السلطة بالرغم من وجود حرب أهلية طاحنة لمدة أربع سنوات، ويقول حلفاؤه في المنطقة إن الحرب تحولت لصالح دمشق، كما أنهم يتفاخرون بأن أمريكا أصبحت أخيرا تنظر بالمنظار ذاته، حيت ترى أن التهديد يأتي أولا من تنظيم الدولة وليس من الأسد.
وترى الكاتبة أن الأمور في سوريا لا تجري كما تريد إيران، حيث تواجه طهران حالة إحباط كلاسيكية، فهي مضطرة لتقديم المزيد من الإمكانيات المالية والعسكرية في سوريا، والتورط بشكل أكبر في المستنقع السوري، وليس هناك استراتيجية خروج واضحة بعد أربع سنوات من الحرب، وقوات الأسد عليها أعباء أكبر من طاقتها، والقاعدة العلوية للنظام في حالة معنوية سيئة، والاقتصاد السوري يهوي إلى الحضيض. وبالنسبة لإيران فإن هذا يعني الاستمرار في الدعم العسكري من الحرس الثوري وحزب الله والمليشيات العراقية والمزيد من الديون لدمشق.
ويستدرك التقرير بأن جهود إيران في تقديم المساعدات العسكرية للأسد قد تصبح صعبة في الأيام المقبلة. فالمنافسون الإقليميون، وعلى رأسهم السعودية وقطر وتركيا، توصلوا إلى تفاهم جديد يقتضي تنسيق جهودهم في سوريا واليمن. والمكاسب التي حققها الثوار في سوريا قريبا ناتجة عن هذا التعاون، والعملية التي تقودها السعودية في اليمن، وبالرغم من تواضع إنجازاتها إلى الآن، لكنها قد تمهد الطريق لعمليات شبيهة ضد الأسد في سوريا، ولذلك فإن طهران لن تسمح لحملة اليمن أن تمر دون عقاب، فطهران تريد لليمن أن تصبح جرحا نازفا يستنزف السعودية وحلفاءها الإقليميين ببطء.
وتعتقد سليم أنه من الصعب أن نرى كيف يمكن لإيران أن تداوي نفسها من جرحها النازف في سوريا على المدى القصير أو المتوسط. فعلى خلاف العراق، حيث كان لديها سياسيون شيعة تثق بهم للحلول محل المالكي عندما أصبح دعمه مكلفا، فإن إيران ليس لديها هذا الخيار في سوريا، حيث يعد الأسد الوحيد الذي يمكن أن يضمن المصالح الإيرانية ومصالح حزب الله. وإلى الآن فليس لدى إيران بديل مقبول عن الأسد.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، بأنه ليس هناك ضغط من الشارع في إيران لإعادة تقييم السياسة في سوريا، حيث إن الخسائر في الأرواح في سوريا تقدر بالمئات، وهو أمر محتمل، والشعب الإيراني لا يعرف كم هي التكلفة الاقتصادية للحرب في سوريا، ولا يبدو أن هناك حوارا داخليا في إيران حول مآلات الأمور في سوريا، حيث ركز معسكر المعتدلين، الذي يقوده الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، على التوصل إلى اتفاق نووي مع الدول الكبرى، ولم يبد هذا المعسكر أي موقف مغاير للمتشددين بخصوص سوريا.
وتوضح المجلة بأن ما سمعناه من المسؤولين الإيرانيين “المعتدلين” في طهران، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، حول سوريا لم يكن معتدلا أو مستوعبا، حيث كان الكلام بأن الثورة السورية اختطفها المتطرفون من البداية، وأن الأسد تم انتخابه، فهو باق في الحكم، ويجب أن تكون الأولوية هناك محاربة الإرهاب، وليس إسقاط الأسد.
وترى الكاتبة أن هذه الحجج دمرت أي سمعة لإيران في العالم العربي، فصور الأطفال الذين تقتلهم براميل الأسد المتفجرة تذكر بتآمر إيران معه على سفك الدم العربي. وفي الوقت الذي تعود فيه إيران إلى المجتمع الدولي تواجه خيار كيفية عكس نفوذها إقليميا.
وتورد المجلة أن زعيم حزب الله حسن نصر الله ادعى أخيرا أن “الحرب على سوريا فشلت بسبب صمود القيادة والجيش السوري”. وقد يتمنى هو ذلك، ولكن على العكس فإن النزاع السوري وصل طريقا مسدودا قد يستمر سنوات، ويستنزف المشاركين فيه كلهم. وليس الأسد في وضع يسمح له بهزيمة الثوار، وفي الوقت ذاته لا يستطيع أعداؤه إزاحته من الحكم. ولن يضع ثائر سوري سلاحه ما دام الأسد في الحكم، وفي الوقت ذاته ستستمر المليشيات العلوية المناصرة للنظام في دفاعها عنه ما لم تتلق وعودا موثوقة تضمن مستقبلها بعد الأسد.
وتذكر المجلة أن لإيران الخيار فيما تفعله في سوريا، فيمكنها أن تستمر في تقوية الأسد وتطيل النزاع، أو أن تقود تمهيد الطريق أمام مفاوضات جادة تؤدي إلى قيادة جديدة في سوريا. وشرط هذا الحل هو أن تبدي إيران استعدادا للتخلي عن الأسد، وأن يعترف التحالف الداعم للثوار بمصالح إيران في الشام.
وتنوه سليم إلى أن إنهاء النزاع السوري مصلحة أمريكية وإيرانية، والحل التفاوضي هو الوحيد الذي يضمن الحفاظ على الوحدة الجغرافية ومؤسسات الدولة. ويقوض هذا التصرف الإيراني في سوريا، فكل يوم يتم إفراغ مؤسسات الدولة من محتواها، وتنظيم الدولة جعل من وحدة الجغرافيا السورية شيئا من الماضي، والأهم من هذا أن الهوية السورية بدأت تضعف وتحل مكانها هويات التقسيم والطائفية والإثنية. ولم تعد مسألة إمكانية إعادة تجميع سوريا مجرد مسألة نظرية.
ويشير التقرير إلى قول البعض إن رفع العقوبات عن إيران سيدعم سياساتها التوسعية، بما في ذلك الدعم العسكري والمالي لنظام الأسد. ولكن يمكن للشخص أن يحتج أيضا بأن القوة الاقتصادية الجديدة التي ستتمتع بها إيران ستدفعها لاستخدامها في أمن المنطقة وتطويرها اقتصاديا، لعكس قوتها من خلال دبلوماسية ناعمة، مثل الاستثمار والتعليم والتعاون العلمي، بدلا من القوة.
وتختم “فورين بوليسي” تقريرها بالإشارة إلى أن سوريا ستكون حالة اختبار لإيران، لتظهر أي جار تريد أن تكون، ولديها الخيار في أن تكون عامل استقرار وتعاون في المنطقة، أو عامل تخريب بدعم حلفائها، ولو على حساب الناس والمنطقة.