قصتهم يرّوونها كل مطلع صباح وحتى شمس المغيب، من معترك حياتهم بين الحرارة والأشواك والبرد والغبار و الخوف، تركوا مقاعد الدراسة بحثا عن عمل، يكابدون بقوة لا تتحملها أعمارهم الصغيرة، طفولتهم غادرت عالمهم ليسكنوا الشوارع هنا وهناك، يفتقدون لأدنى حقوقهم ويحلمون بمستقبل يغير حياتهم البائسة وتحقيق أحلامهم البريئة.
في مشهد يجسّد كل آلام الطفولة ووجعها، تقف الطفلة شهد ذات ال 9 أعوام على أرصفة الشوارع ببنطال ممزق وسترة قديمة بالية وثياب متسخة، تستجدي عطف المارة محدثة أحدهم “عمو الله يوفقك اشتري مني وازا مابدك تشتري عطيني مصاري الله يرزقك” ثم تسأل آخر وتطلب منه بعيون بنية منكسرة تملؤها كل خيبات الأمل وتحتويها مشاعر القهر والمذلة، محاولة تأمين قوت يومها ولمساعدة أمها بعد وفاة أبيها بكلمات تستعطف المارة للحصول على بعض النقود.
وكانت الطفلة شهد قد نزحت برفقة أمها المريضة وأخوتها الصغار بعد القصف المتواصل على قريتها كفرنبودة في ريف حماة عام 2015، باتجاه الحدود السورية ومن ثم إلى تركيا لتسكن مع عائلتها في بيت متهالك لايقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، لم تتعلم شهد شيئا في المدرسة ليعلمها الشارع مالا يتقبله عقل حيث لا مراقب ولا حارس فمحطة الدراسة لا وجود لها في حياتها، أما محطات الشارع حيث المآسي والاستعباد هي التي تشكل حياة شهد.
طفولة شهد غادرت عالمها وتركتها كامرأة مسنة بسبب ما تتعرض له يوميا على قارعة الطرقات، فأصبحت كوردة ذابلة وشمعة انطفأ بريق شعاعها، فهي تنتظر شفقة الناس وتستعطفهم ليرحموا حالها فكثير منهم يشترون منها وهناك من لا يعيرها اهتماما وآخرين يعنفونها ولا يتقبلونها، ومع هذا تستمر في التجول وعقلها يفكر في طريقة لجلب الأكل، في لحظة تخيّل لتحقيق الآمال التي تسبح في أعماق مخيلتها في العودة إلى المدرسة ولحياة سعيدة لها ولعائلتها، وسط مجتمع يحاصرها في دائرة مغلقة يسودها الظلم والرعب والجوع.
شهد ومثلها الكثير يعيشون الذل والهوان في قصة يكتبونها من واقع مر وأليم يعزفونها على أوتار الوجع والأحزان، في عالم صامت يضطهدهم كل لحظة بدون تقدير لضعفهم وقلة حيلتهم، فهم أطفال ككل البشر، ولكن للأسف ترعرعوا في الشارع وتعلموا في الشارع، ولكن حجم المشكلة أكبر من ذلك لأن أطفال الشوارع لن ينتهي بهم المطاف عند هذه الظاهرة السلبية فقط بل سيتعلم صاحبها مع الوقت الكثير من أساليب الانحراف لذلك فالكل مسؤول في المساهمة لإنهاء هذه الظاهرة.
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع