قليلة هي الأزمات التي تعقدت مثلما حصل للأزمة السورية التي تحولت الى عقدة سياسية وكارثة انسانية. وقد لعبت مجموعة من العوامل دورها في الوصول الى هذا الوضع المفتوح حتى الآن على كافة الاحتمالات بما فيها اسوأها.
العامل الأول: تعنت النظام السوري، وعدم قبوله بأي حل سياسي أو غير سياسي، وإصراره على الحل الأمني وتوهمه هو وحلفاؤه بقدرته على تحقيق الانتصار على ما يسميه “مؤامرة”. واستعداه غير المحدود لتدمير البشر والحجر. ولم يخفي النظام موقفه هذا بل رفع أنصاره شعارهم المستفز “الأسد أو نحرق البلد”
العامل الثاني: وجود قوى اقليمية ودولية وجدت في موقف الأسد ما يخدم مصالحها التي لا علاقة لها بقضايا الشعب السوري، وأول هذه الدول ايران التي تسعى لتوسيع نفوذها الاقليمي، مستخدمة سياسة دينية مذهبية تنبش التاريخ الميت تحت شعار “ثأر الحسين”. والقوة الثانية هي روسيا في صراعها مع الغرب تجد في سوريا ورقة بيدها. وكلتا القوتين لا يعنيها كم يقتل من السوريين وكيف تهدم سوريا، فمصالحهم فوق كل شيء.
العامل الثالث: وهم قوى الاسلام السياسي، مدفوعة بقوى إقليمية، بأنها فرصتهم التاريخية للقفز الى السلطة في موسم الربيع العربي الذي ارادوه “إسلاميا”، ودفعهم لصبغ الحراك بطابع ديني إسلامي من جهة، ودفعهم للحراك نحو التسلح، الامر الذي تلاقى مع مساعي النظام في منتصف الطريق، وهو الذي بنى استراتيجيته على تحويل الصراع الى صراع طائفي مذهبي مسلح كي يعطيه مشروعية مواجهته بالسلاح، وهي الساحة التي يمتلك فيها تفوقاً، بدعم من ايران وروسيا، ويخرجه من صورة أنه يواجه متظاهرين سلميينبالنار. من جهة أخرى أدى هذا لدفع معظم أبناء الأقليات السورية التي تشكل قرابة 40% من السوريين، إضافة لعدد غير قليل من سكان المدن الكبرى وقواها خاصة في دمشق وحلب، لأن تنأى بنفسها عن المشاركة الفعلية في الثورة أولاً، ثم تقترب أجزاء منها من النظام كلما تزايد الطابع المتشدد للثورة،رغم تعاطفها مع الثورة وشعاراتها بالحرية والكرامة،
العامل الرابع: موقف القوى الغربية الكبرى المتردد، ورد الفعل المتأخر حتى هذه اللحظة، وعلى رأسها الموقف الأمريكي والذي يتكثف في موقف أوباما الذي سعى للنأي بنفسه عن اتخاذ أي موقف عملي تجاه الكارثة السورية. مما فتح الباب أمام تعقيدات كثيرة جعلت وتجعل تكاليف الحل مرتفعة جداً مادياً وإنسانياً ومجتمعياً. لقد ابتليت أمريكا في الخمس عشرة سنة الأخيرة برئيسين أحمقين، الأول جورج بوش الثاني الذي اتبع سياسية هجومية عدوانية لم يكن ثمة داع لها، ثم حشر نفسه في العراق واسقط نظامه ليسلمه لايران في صفقة غريبة، ثم باراك أوباما الذي جاء نقيضاً لبوش، و اتبع سياسة مترددة غير فاعلة، وامتنع عن الفعل حيث يجب أن يفعل، ومازال يتردد.
العامل الخامس: تشرذم مواقف الداعمين للمعارضة السورية، وعدم خلق غرفة عمليات واحدة وعدم توحيد صندوق الدعم، والقيام بدعم مشتت بل ومتنافس تسبب في شرذمة وتنافس قوى المعارضة المسلحة على الأرض، فأضعف فاعليتها ورفع تكاليف عملياتها.
العامل السادس: توجيه الجزء الأكبر من الدعم العسكري والمالي نحو وحدات معارضة متشددة تحت ذريعة “أنها أكثر كفاءة في محاربة النظام، بينما لم تنل القوى المعارضة المعتدلة سوى دعم ضعيف أدى الى تهميشها في النهاية، مقابل توسع نفوذ القوى المتشددة. من جهة أخرى تقديم الدعم للمعارضة السوريةبالأسلحة والمال عبر أشخاص، مع غياب الرقابة والمتابعة لاستخدام الدعم المقدم، مما فتح الباب للفساد وتحول العديد من قادة الوحدات العسكرية إلى أثرياء وأمراء حرب.
العامل السابع: إبعاد الضباط العسكريين المحترفين المنشقين ذوي الخبرة، وممانعة القادة المدنيين من مشاركتهم في قيادة العمليات، حيث يقيم معظم الضباط في المخيمات في تركيا او الأردن، قد جعل هذا الوحدات المقاتلة للمعارضة بقيادات ميدانية مدنية ضعيفة، تواجه جيشاً محترفاً مدعوماً بميليشات مدربة، مما جعل الخسائر مضاعفة من أجل تحقيق أي تقدم.
العامل الثامن: تشتت المعارضة السورية العسكرية والسياسية وعدم قدرتها على التوحد والانضواء في هياكل عسكرية وسياسية موحدة. وضعف مؤسسات المعارضة السورية العسكرية (المجلس العسكري والأركان) والسياسي (الائتلاف) ودخولها في صراعات ثانوية لأسباب شخصية وذاتية، أضعفت ثقة الداعمين وافقدتهم احترام الحلفاء، ومازال الوضع يزداد سوءاً، وقد برز بخاصة في اجتماع الهيئة العامة الأخير للائتلاف لانتخاب حكومة جديدة بدلا من حكومة احمد طعمة، و الذي عقد بين 10-12 تشرين الأول، حيث كان الانقسام على أشده، إلى درجة أن اردوغان قد انتقد المعارضة السورية علناً.
العامل التاسع: تردد مواقف الداعمين الاقليميين للثورة السورية وعدم مواجهتهم العملية للموقف الأمريكي تجاه الثورة السورية رغم اختلافهم معه، والتزامها جميعاً بالخطوط الحمر الأمريكية. وقد برز هذا بشكل اوضح في المواقف الأخيرة عندما اتخذت تركيا موقفاً سياسيا أكثر جرأة ووضعت أربعة شروط لمشاركتها في الحرب على الارهاب، والتي أعلنها اردوغان مؤخراً والتي تتضمن موقف من إرهاب نظام الأسد إلى جانب ارهاب داعش.
العاملالعاشر: تحول سوريا الى مركز صراعات دولية، واجتذابها لمتطرفين من مختلف أصقاع الأرض لهم أجنداتهم التكفيرية، والتساهل وعدم تقدير العواقب لمرور هؤلاء المقاتلين الأجانب المتشددين عبر حدود الدول المجاورة، وضعف الرقابة على جمع وإرسال الأموال للمجموعات المتطرفة في سوريا. ثم تدخل قوات مذهبية شيعية من لبنان والعراق وإيران وغيرها مما حول سوريا الى ساحة صراع مذهبي سني شيعي حرف الصراع في سوريا عن الغايات التي انطلقت الثورة السورية من أجلها في الحرية والكرامة والخلاص من نظام مستبد رزح على صدر الشعب السوري قرابة نصف قرن.
مكتب البحوث والدراسات
اتحاد الديمقراطيين السوريين