بعد صورة الطفل إيلان ابن الثلاثة أعوام الذي لفظت الأمواج جثته إلى شاطئ تركي، التي حرّكت العالم في مواجهة قضية اللاجئين السوريين، ها هي اليوم صورة الطفل عمران دقنيش ابن الخمسة أعوام الجالس مذهولا وقد غطّته الدماء والأتربة، تهز العالم وتلفته إلى مأساة مدينة حلب التي تتعرض لتدمير قلّ مثيله في التاريخ. فهل يحتاج العالم إلى صور أطفال سوريا كيّ يحرّك ساكنا حيال بلد ابتلي بصراع دولي لا يأبه بسكانه ولا بعمرانه، إلى حد التواطؤ من أجل بقاء طاغية في سدة الحكم على رغم وثائق تدوّن مسؤوليته عن مقتل وجرح مئات الألوف من مواطنيه، وتشريد الملايين منهم في أصقاع الدنيا؟
قمة المفارقات أن تجاهر إيران في تورطها في سوريا، وتمضي إلى حد تسليم سيادتها إلى أحدث طائرات الموت الروسية كيّ تشنّ هجماتها على حلب، التي يسكنها الطفل عمران وعائلته وتسبب بإسقاط منزلهم فوق رؤوس قاطنيها. وقد اتضح أن المرشد الإيراني علي خامنئي هو من طلب شخصيا قبل أشهر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتدخل عسكريا في سوريا، وكأن سوريا هي مقاطعة إيرانية لا قرار لها. وكل ذلك من أجل تدارك سقوط مشروع الهلال الإيراني وأدواته، لاسيما في لبنان؛ إذ تشير معلومات حديثة إلى مقتل نحو ألفيّ عنصر من “حزب الله” في حرب سوريا حتى الآن وجرح آلاف عدة آخرين.
المغامرة التي أقدم عليها النائب حشمت الله فلاحت بيشة عضو مجلس الشورى الإيراني، فطرح تساؤلات حول منح روسيا قاعدة عسكرية تسبب بإحراج شديد لأركان حكم المحافظين فسارعوا إلى التوضيح الذي انتهى إلى القول: إن طهران منحت موسكو “تسهيلات” وليس “امتيازات”. وحاول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس علاء الدين بروجردي تغطية التنازل لروسيا، فقال إن طهران “رفضت طلب أمريكا عندما قررت الهجوم على أفغانستان استخدام أجوائها لتوجيه الضربات”.
رب سائل: وماذا عن كل جهات الشرق والغرب المتورطة في حرب سوريا؟ وهل يجوز التصويب على إيران فقط؟ بالتأكيد، الأمر يتجاوز إيران. لكن ميّزة التدخل الإيراني أنه ينطلق من أهداف لا نجدها عند أي جهة أخرى، سواء أكانت حليفة للنظام السوري أم كانت خصمة له. وقد عبّر عن هذه الأهداف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته في الذكرى السنوية العاشرة لحرب تموز بقوله: “لا خيار لنا إلا أن نبقى في حلب” في مواجهة أمريكا وإسرائيل.
لن يفهم عمران كيف أن تدمير حلب يفيد في مواجهة أمريكا وإسرائيل. وللتعبير عن صعوبة هذا الفهم، قال الطبيب السوري زاهر سحلول لصحيفة “الغارديان” البريطانية، إن طفلا في السابعة من عمره رسم الأطفال الموتى مبتسمين، بينما رسم الأطفال الأحياء باكين. ولن يحل سوء الفهم سوى قول طفل حلب لخامنئي: “عد إلى ديارك”.
أحمد عياش_عربي21