على عكس ما أشيع إعلامياً، فقد كان بشار الأسد، مع بداية الثورة حريصاً على كل نقطة دم تسفك، وكل الأوامر العسكرية التي تولى إصدارها العميد ماهر الأسد قائد اللواء 142 «ميغا» في الفرقة الرابعة، منذ بداية الثورة كانت محددة، ومطالبة بمنع إطلاق الرصاص على المتظاهرين، بهذا بدأ النقيب عبدالرحمن التاجر، الضابط الاستخباراتي لدى الفرقة الرابعة، المولود في الريف الحلبي حديثه الخاص لـ «القدس العربي».
وأكد التاجر، وهو قريب اللواء الراحل مصطفى التاجر، رئيس فرع فلسطين المخابراتي لفترة تزيد عن تسعة أعوام، أن العميد ماهر الأسد، ومنذ بداية المظاهرات الأولى، كان يعمل قدر المستطاع على لململة و تدارك الاحتجاجات ومنعها من التطور إلى موجة شعبية عارمة، ولذلك أرسل الضباط الأمنيين بمهام تجسسية من الفرقة، إلى كل الأفرع الأمنية المنتشرة في المحافظات، لمحاربة المسيئين من رجال الأمن.
وأوضح التاجر (33 عاماً) وهو الضابط الذي أرسل بمهمة موقعة من بشار الأسد لغرض التجسس على فرع الأمن السياسي في محافظة إدلب بالقول: لقد كان الأمن السوري يعاني من الترهل، الناجم عن حوالي 30 سنة من حالة الاستتباب الأمني، وزيادة الثقة بعدم إفلات الشعب من القبضة الأمنية، وهذا ما كان يزعج العميد ماهر، لدرجة فقدان الثقة بكل تلك الأجهزة، الأمر الذي جعل من عائلة الأسد تستنفر الفرقة التي يقودها ماهر على الأرض لهذا الغرض، ولقد تولى العميد غسان بلال وهو أحد الضباط البارزين في الفرقة هذه المهمة، وكان صلة الوصل بين الأسد وبين الأفرع الأمنية.
ويضيف التاجر: «بينما يحاول ماهر التهدئة، كانت فرقته تزيد من مساحة الحرائق، عبر إطلاقها النار على المتظاهرين العزل، وكان لعجز رئيس الأمن الجوي اللواء جميل حسن عن محاسبة ضباط الفرقة الرابعة، الدور الأبرز في تسريع الدخول في الحل العسكري، بسبب حرص الأخير على عدم الدخول في سجال محسوم النتائج مسبقاً مع ماهر الأسد.
ويشدد التاجر، على أن ضباط الفرقة الرابعة، كانوا أول من أطلق النار على المتظاهرين، ومن هنا نستطيع القول ان من تم تعينهم لإخماد الحرائق، كانوا أول من نفخ النار عليها.
و في سياق إدارة الأزمة أيضاً، كشف، عن قيام ماهر الأسد، بتوزيع أجهزة اتصال لاسلكية على الوحدات العسكرية، كانت بحوزة النظام، لكنها لم تكن موزعة من قبل، حصل عليها بموجب صفقة مع الحكومة الإيطالية قبيل الثورة، ومن خلال هذه الأجهزة يستطيع مكتب الفرقة الرابعة مراقبة كل الاتصالات العسكرية، التي تدور في كل الجغرافيا السورية. وتابع التاجر الذي نجا من محاولة اغتيال من قبل رئيس الأمن السياسي في محافظة إدلب العميد أيسر بوغا، للإفلات من المراقبة وقال: «مع وصولي للمدينة، أي في بداية عام 2012، بدأت أرسل التقارير الأمنية عن إساءات الضباط والعناصر إلى ماهر الأسد، لكني لم أشهد تجاوباً، وحينها أدركت أن الأمور قد خرجت عن السيطرة، وترسّخ لدي يقين صادق بأن النظام اختار المضي قدماً في الحل العسكري».
ويوضح: لم يكن للأسد خيار آخر، فإما أن يحاسب المسيئين، وعندها يتعذر عليه المضي قدماٌ لأن كل من يعتمد عليهم صاروا مسيئين، وإما أن يترك البلاد ويقرر ترك الحكم، ويضيف: وصل الأسد إلى نصف البئر، بالتالي لم يعد بمقدوره قطع حبل الفساد، حينها سيسقط في الهاوية سقوطاً مدوياً.
وعن تلك الحقبة يروي التاجر، رواية دارت في القصر الجمهوري، وصلته عن طريق ضابط مرافق للأسد، رفض الكشف عن اسمه، لكنه اكتفى بالإشارة إلى أن هذا الضابط لا زال على رأس عمله للآن، يفيد مختصرها بأن بشار الأسد قرر حينها ترك السلطة، إلا أن تهديدات ماهر الأسد بحرق دمشق عبر مدفعيته جعلته يعدل عن هذا القرار.
وعن شخصية ماهر الأسد قال: «تتصف قرارته بالحاسمة، دون التفكير بالعواقب، وقراراته فيما بعد أوصلت البلاد لما هي عليه الآن، كما أنه شديد الانفعال، فضلاً عن شهوانيته الجنسية، فعلاقاته مع الجنس الثاني، عصية على الإحصاء، وللأسف إن أغلب تجار العاصمة دمشق متورطين في هذه العلاقات».
وغداة تعرض التاجر لمحاولة اغتيال، تم تعينه في فرع الأمن السياسي في محافظة حلب، وحينها كانت المدينة تشهد استتباباً أمنياً، باستثناء الريف، يقول حاولت حينها اقناع ماهر الأسد حينها بوجوب كف تصرفات الشبيحة عن أهالي حلب، ويقول التاجر: كنت حريصاً في كل التقارير الأمنية المرفوعة من قبلي إلى قيادة الفرقة، على وصف ما يتعرض له المدنيون، من تسلط من قبل الأمن والشبيحة، لكن كما أسلفت كان ذلك دون جدوى.
وعن ظروف وملابسات انشقاقه بيّن بالقول، في نهاية العام 2012، تم نقلي إلى الفرع الإداري في الفرقة الرابعة في دمشق، تم إبلاغي عن طريق ضابط من شعبة المعلومات أن رقم هاتفي الخاص وضع تحت المراقبة، وحينها أدركت أن الأمر بات على قدر كبير من الخطورة، ومنها قمت بالاتصال مع عناصر من الجيش الحر، كنت على تنسيق مسبق معهم، وبدورهم تولوا مهمة إيصالي إلى الريف الحلبي. وبالرغم من عمل التاجر مع قوات المعارضة في الريف الحلبي، لمدة مقبولة، إلا أن صلة القربى التي تجمعه باللواء مصطفى التاجر ذي السمعة السيئة في حلب، أرخت بظلالها على سيرته أينما حل، سيما وأن العمل كان في محيط قروي، وساهم ظهور تنظيم الدولة الاسلامية في ترجيح خيار الهجرة إلى أوروبا لدى التاجر.
وأخبرنا عن تلك الفترة بالقول، خلال عملي مع لواء الإنصاف، اجتمعت بشخصيات استخباراتية من جنسيات مختلفة في تركيا، وكنت أوضح لهم الانتشار الأمني لقوات النظام، إلا أن صدمتي كانت كبيرة عندما كانوا يقولون لي بأنهم لا يفكرون حالياً إلا في محاربة العناصر المتطرفة في المعارضة، ومنها قررت أنه لا فائدة من بقائي هنا.
ينتظر التاجر منذ وصوله إلى النرويج منذ عام ونصف، أن يعطى صفة اللجوء التي يستطيع بموجبها لم شمل عائلته، وإحضار زوجته وأولاده، إلا أن النرويج منحه اللجوء داخل النرويج ومنعت عليه مغادرة البلاد، بحجة أنها لا تستطيع التحقق من صحة أقواله، سيما وأن حكومة النرويج تتمتع بعلاقات طيبة مع النظام السوري للآن، بدليل أن السفارة النرويجية لا زالت مفتوحة الأبواب في العاصمة دمشق، كمكتب تنسيق أمني، دون أن تستقبل مراجعين.
يشار إلى أن غالبية ضباط الفرقة الرابعة يتم اختيارهم على أساس مواصفات محددة، من أهمها تاريخ الأسرة التي ينتمي لها الضابط وولاؤها، ويشكل الضباط المحترفون حوالي 90٪ من قوام هذه الفرقة، التي تنتشر في محيط العاصمة دمشق وباقي المحافظات.
مصطفى محمد – «القدس العربي»