من الطبيعي والبديهي أن تنتشر مهنة صيانة السلاح في بلد يشهد حرباً داخلية طاحنة منذ ست سنوات وحتى اليوم, وتتعدد فيه الأطراف المتصارعة وتختلف أسماؤها وأحيانا أهدافها وانتماءاتها, بل تتعدد المجموعات العسكرية المنضوية تحت المعسكر الواحد!, فمعسكر الثوار يضم العديد من الفصائل والألوية والكتائب العسكرية, ومعسكر النظام بات أيضاً عبارة عن عدد من المجموعات المتمايزة في أساسها ودعمها بل وحتى في أهدافها, انطلاقاَ من الجيش التابع لحكومة النظام وانتهاءً بالمليشيات “الطائفية” التي تقاتل إلى جانب قواته ومدعومة بشكل مباشر وعلني من إيران, لذلك كان لابد لهذا الواقع “العسكري” المعقّد من أن يفرز منعكسات جديدة على الأرض ومنها ما يعرف بمهنة “صيانة الأسلحة”..
المهنة الجديدة:
تنتشر في مناطق واسعة من سورية بما فيها المناطق التي تخضع لسلطة قوات النظام محال مختصة بصيانة أنواع محددة من السلاح وقد نستغرب عندما نعلم أن هذه المحال المختصة بهكذا نوع من أعمال الصيانة يمكن لها أن تكون علنية في المناطق الخاضعة لسلطة المليشيات العسكرية التابعة للنظام والمتحالفة معه أكثر من تلك المناطق المحررة التي يتواجد فيها الثوار, حيث نقلت صحيفة الإمارات اليوم بحسب وكالة “أ.ف.ب” تحقييقاً يتحدث عن انتشار هذه الظاهرة في مناطق مختلفة من محافظة الحسكة والتي يتقاسم السلطة فيها كلأ من قوات النظام من جهة وبعض الأحزاب الكردية المسلحة من جهة أخرى, واستشهدت الصحيفة بمثال واقعي يتحدث عن قيام شخص اسمه “عبود جان” بفتح محل لصيانة وإصلاح بعض قطع السلاح المختلفة الأنواع, وكتب لافتة كبيرة على الواجهة الأمامية لهذا المحل جاء فيها:
“نقوم بتصليح كافة أنواع الأسلحة”..
حيث يقوم هذا الشخص المذكور بإصلاح أنواع عديدة من قطع السلاح لزبائنه من المقاتلين المنتمين لجهات مختلفة, فمنهم بعض الأفراد المتعاملين مع ضباط في فروع الأمن السوري والقوات المسلحة التابعة للنظام, ومنهم مقاتلين منضوين تحت ألوية الأحزاب الكردية العاملة في محافظة الحسكة.
ووفقاً للصحيفة المذكورة فإن “عبود جان” كان يعمل بصيانة بعض أنواع القطع الفردية والخفيفة من السلاح “سلاح الصيد” وليس بشكل علني, لكنه وجد نفسه خلال السنوات الأخيرة مضطراً للتعامل مع أنواع جديدة من الأسلحة لم يعتد عليها سابقاً, حيث يقول “جان” في متجره في وسط مدينة الحسكة “شمال شرق”:
“كنا نصلح أسلحة صيد, لكن الأمر اختلف خلال الازمة وبتنا نصلح قطعاً كبيرة, بالإضافة إلى المسدسات, من بينها رشاشات “الدوشكا”, والبي كي سي, فضلاً عن الأسلحة الروسية الخفيفة”.
وتنتشر محال أخرى لأشخاص آخرين في مدن مختلفة من محافظة الحسكة التي يسيطر الأكراد على الجزء الاكبر منها, فيما يحتفظ الجيش التابع لقوات النظام والمقاتلون الموالون له ببعض المقار الأمنية وسط المدينة.
ولابد من الإشارة إلى أن أكثر الأعطال التي يصلحها “جان” وغيره هي عبارة عن أعطال ميكانيكية في مخزن الرصاص أو بيت النار, نتيجة الاستخدام المتكرر للسلاح من دون إجراء عمليات الصيانة, وأن تكاليف الصيانة غير مرتفعة وإن كانت تختلف بحسب نوع السلاح, وذلك نظراً لكثرة الزبائن..
في المعسكر المقابل:
في الجانب الآخر من البلاد تنتشر هذه الظاهرة أيضاً في المناطق المحررة الخاضعة لسلطة الثوار في كل من أرياف حمص وحماة وإدلب ودرعا والغوطة الشرقية في دمشق, نظراً لكثرة أعداد المقاتلين التابعين لفصائل عسكرية مختلفة مع فارق ملحوظ, ويتجلى في نوع السلاح وحجمه, فهناك من يحترف صيانة الآليات العسكرية الثقيلة كالدبابات والمدرعات والمدافع المتحركة ولكن حين الطلب وليس بشكل علني في محل تتقدمه لافتة!!
في حين يبقى انتشار المحال التجارية التي يحترف أصحابها مهنة صيانة الأسلحة الخفيفة المتوسطة هو انتشار محدود وليس علني, ولكن هذه المهنة منتشرة بشكل أكثر سرية مقارنة مع ماذكرناه عن محافظة الحسكة وذلك لسد ذرائع النظام الذي يقوم بقصف الأسواق والبيوت السكنية لمجرد العقاب الجماعي للسوريين, لذلك يخفي الأشخاص العاملون في هذه المهنة محالهم التجارية بعيداً عن الأعين في مناطق تكون بعيدة عن التجمعات السكنية..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.