من عُمان ومع بداية هذه السنة، بدأ تبديل قيادة الخليج برحيل الزعيم الذي صمم السلطنة على شخصيته، قابوس. فخلفه ابن عمه هيثم بن طارق، ذو الـ 65، الذي شغل منصب وزير الثقافة والتراث، ويبدو أنه يحظى بتأييد العائلة، ولكن توقيت تعيينه سيكون الأكثر تحدياً عشية أزمة مزدوجة لانخفاض أسعار النفط ووباء كورونا.
في سلسلة قرارات اتخذها، حوّل هيثم عُمان، في آب 2020 إلى مملكة عائلية مثل جيرانها. لأول مرة في تاريخ عُمان الحديث، تنازل السلطان عن منصبه كوزير للخارجية عندما عين الأمين العام لوزارة الخارجية بدر البوسعيدي وزيراً لهذا المنصب، بدلاً من الوزير القديم بن علوي، الذي تولى المنصب منذ 1997. كما عين وزير الاقتصاد الجديد، أخاه شهاب، نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع، وابنه ذي يزن وزيراً للثقافة والرياضة والشباب. قبل وفاة قابوس علم أكثر من مرة عن اعتقال عملاء لاتحاد الإمارات التي يحتمل أن تكون سعت إلى التأثير على هوية بديله بحيث يكون أقرب إليها في مواقفه تجاه إيران.
في الكويت، يحكم الأمير صباح الأحمد منذ العام 2006. ومنذ القرن العشرين حتى صعوده إلى الحكم، تبدل الحكم بين فرعين في عائلة الصباح. فمع صعوده، نجح الصباح في إقصاء الفرع المنافس عن الوظائف العليا ومن ترتيب الخلافة، وتعيين ولي للعهد أخيه نواف الأحمد (ابن الـ 83). كان نواف وزير الدفاع الكويتي في العام 1990 وقد مس احتلال العراق للكويت بمكانته. ويعد تعيينه تسوية تسمح لنمو جيل شاب من بين الفرع. ومع ذلك، يبدو أن قوة الأمير الصباح والتأييد الواسع الذي حظي به في العقد الأخير هي التي صدت نفوذ شخصيات أكثر شباباً. يقدر بأن نواف الأحمد سيعين أميراً بعد وفاة الصباح، ولكن تعيينه ولياً للعهد وبالتالي تحديد ترتيب الخلافة، من شأنه أن يبعث صراعاً واسعاً في أوساط الجيل الشاب، مما سيمس باستقرار العائلة والدولة.
رغم أن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان هو رئيس اتحاد الإمارات العربية، فإن أخاه، محمد بن زايد (ابن الـ 59) ولي عهد أبو ظبي، هو الحاكم الفعلي في الاتحاد بسبب مرض أخيه المتوقع أن يمنع عودته إلى الحياة السياسية. وإلى جانب بن زايد، يتولى أخوته مناصب أساسية: الشيخ عبد الله (48 سنة) في منصب وزير الخارجية منذ 2006، الشيخ طحنون (52 سنة) مستشار الأمن القومي منذ 2015، والشيخ منصور (50 سنة) نائب رئيس الوزراء منذ 2009. وفي صالح منصور، يسجل زواجه لابنة حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي لم يكن راضياً دوماً عن البروز الإقليمي لبن زايد. منصور وأخوته هم المرشحون البارزون لتبديله.
في البحرين، الملك حمد بن عيسى الذي يناهز الـ 70، يحكم منذ وفاة أبيه في العام 1999. قرر دستور البحرين (1973) أن ولي العهد يجب أن يكون ابن الحاكم. وبسبب مكانة عم الملك، خليفة (84 سنة)، الذي يتمتع بالقوة الاقتصادية والسياسية الأكبر في البحرين، فقد عين رئيساً للوزراء مع نيل الاستقلال (1971). وهو رئيس الوزراء الأقدم في العالم اليوم. ولكن الدستور جاء لمنعه هو وأنساله من أخذ الحكم. اليوم، الابن البكر لحمد، سلمان (50 سنة)، هو ولي العهد، ولكن مكانته إشكالية. وبسبب الدستور، فإن خليفة ليس مرشحاً لخلافة الحكم، ولكن ابنيه (علي وسلمان) يحتلان موقعين أساسيين، وفي السنوات الأخيرة، تقدم الأخوان الشابان لولي العهد، ناصر وخالد، إلى مواقع مهمة – الأمر الذي قد يسمح في المستقبل بتغيير ولي العهد وفقاً لقواعد الدستور.
في قطر، يحكم الأمير تميم بن حمد (40 سنة) منذ 2013، وهو أحد الحكام المستقرين في الخليج. منذ قيام الدولة، انتقل الحكم من الأب إلى الابن، بالإقصاء في الغالب. ولكن حمد، الابن البكر لتميم، لا يزال ابن 12 سنة. ومع ذلك، فإن جد تميم، خليفة، أقصى عن الحكم ابن عمه أحمد (الذي بنفسه أقصى أباه عليّاً)، ويرى خلفاء الفرع أنفسهم يستحقون الحكم؛ وحاول أحدهم، عبد الله بن علي، 63 سنة، العمل على إقصاء الأمير بدعم سعودي على خلفية الأزمة التي اندلعت بين الدولتين مرة أخرى في 2017. إضافة إلى ذلك، فإن سلطان بن سخيم، ابن وزير الخارجية القطري (في الثمانينيات) الذي رأى نفسه مرشحاً لخلافة الحكم، حاول هو أيضاً العمل بدعم من السعودية. في هذه المرحلة يبدو أن الدعم لهما قليل وشعبية تميم تضررت على خلفية مقاطعة قطر.
أما في السعودية فلن تكون وفاة الملك سلمان مفاجئة، فمنذ زمن بعيد والمملكة تستعد لليوم الذي يجتمع ملكها السابع، والأخير من أبناء مؤسسها، ابن سعود، بآبائه. في هذه الأثناء، توجد في أوساط العائلة جيوب مقاومة لحكم ابنه، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي، وهو يسعى لقمعها. حتى الآن، غطت الشرعية التي يتمتع بها الملك سلمان على ابنه، ولي العهد، من الآثار المحتملة لخطوات موضع خلاف في الساحة الداخلية والدولية. ويحتمل أن من لم يتجرأ على الخروج ضده سيفعلون ذلك حين يتوّجه. سيواصل محمد بن سلمان الحكم، وبالتأكيد في المدى القصير، بينما إلى جانبه أخواه اللذان عينا في منصبين أساسيين: عبد العزيز (وزير الطاقة) وخالد (نائب وزير الدفاع)، والأخير قد يعين ولياً للعهد مع تعيين محمد بن سلمان، أو أن يكون بديلاً مقبولاً في “مجلس الأوصياء”، عندما تثور خلافات ومعارضات على تعيين بن سلمان ملكاً.
بين آليات بقاء الممالك، ثمة توزيع للمناصب الأساسية بين أبناء العائلة الحاكمة، ولكن العائلات تضم أمراء كثيرين؛ فمثلاً يقدر بأن عدد الأمراء في السعودية نحو 5 آلاف، ناهيك عن أنهم ليسوا جميعاً في المكانة ذاتها. واستقرار الحكم منوط بالتالي بقدر كبير في التضامن بينهم. إن إجماعاً واسعاً على ترتيب الخلافة المستقبلية كفيل بأن يخلق استقراراً، لكن غيابه قد يسبب توترات ويعرض العائلة للخطر. رغم سيطرة الحكام المختلفين، تشكل العائلة مصدر الشرعية الأساس للحكم والتعلق بها، حتى وإن لم تكن ملموسة دوماً فإنها تملي سياقات اتخاذ القرارات. ومع ذلك، هناك نواقص بسبب المشاركة الواسعة التي للعائلة المالكة، في الحكم: فالحاكم غير الراضي عن أداء ابن عائلته في منصب أساس لا يمكنه دوماً أن يقيله أو ينقله إلى منصب آخر. فمن أجل إقالة نائب وزير الدفاع السعودي، سيتعين على محمد بن سلمان أن يقيل أخاه، وفي عُمان سيضطر السلطان إلى إقالة أخيه كي يعين وزير دفاع مكانه. سياقات الإقالة في هذه الظروف، حكمها أن تهز العائلة والدولة.
إن الهوية المستقبلية للحكام العرب كانت دوماً بؤرة اهتمام لدول بعيدة وقريبة. ولصعود جيل أكثر شباباً من الزعماء في الخليج، المحررين نسبياً من قيود الماضي، كفيل بأن يكون هناك تأثير في الممالك نفسها: الجيل الشاب يشكل الأغلبية في سكان الخليج، وتظهر في أوساطه توقعات للانخراط المتسع في القرارات على مستقبل الدول. هذا لا يعني بالضرورة أن الزعماء الشباب سيفتحون الساحة السياسية أمام مشاركة المواطنين، وذلك لأن “التجربة الديمقراطية” لا تزال تشخص بقدر كبير، حتى في أوساط المواطنين، مع سفك الدماء والخراب الذي جاء مع الربيع العربي. إن توقعاً للمشاركة السياسية كفيل بأن يزيد التوتر الاجتماعي الذي سيتخذ الزعماء من أجل تبديده إصلاحات حتى وإن كانت رمزية ومحدودة. وصعود جيل قيادة جديد في دول الخليج كفيل بأن ينخرط في منظومة التفسيرات، بما فيها الخوف من التطلعات الإقليمية لإيران، والانفتاح المتزايد تجاه إسرائيل، الذي سجل في السنوات الأخيرة، والاستعداد للتعاون معها علناً أيضاً، كما تشهد الاتفاقات التي تحققت مؤخراً بين إسرائيل والإمارات. وسيساهم تعزيز العلاقة مع إسرائيل في نمو قيادة تشجع آلية تغييرات في الشرق الأوسط، ولكن فشله قد يخلق رد فعل في دول الخليج المحافظة.
بقلم: يوئيل جوجنسكي وعيران سيغال
نقلا عن القدس العربي