لا يزال الوطن الحبيب يدفع أغلى الأثمان في سبيل نيل الحرية و الكرامة و في سبيل الخلاص من ظلم النظام المتوحش بكل ما تحمله تلك الكلمة من معان و دلالات.
يحكي ” أبو نورس ” أحد الأبطال الذين عاشوا قصة المذبحة والقصف البربري الذي تعرضت له منطقة جبل الدويلة في ريف سلقين، ويصف هول المشهد الذي وصفه بلحظات من يوم القيامة و يقول ” الشيء الذي حدث قد حفر في ذاكرتي و لن أنساه ما حييت، أحس أن شيئاً ما في داخلي لا استطيع وصفه أو التعبير عنه”.
و يكمل بصوته الذي غير من ملامحه الارتعاش و الارتجاف من هول الأحداث و يحكي تجربة يمكن أن تغير حياة الكثيرين و يقول” كنا نتحدث عن الطيران و مخاوفه، أنا و أحد أصدقائي و أحاول تخفيف التوتر عندي و عنده و أقول لا يحدث إلاّ ما كتب الله لنا”.
وبعد أن أخذ نفساً ليخبئ شيئاً من القهر داخل قفصه الصدري وأكمل ” قلت لصديقي اذكر الله و توكل عليه ولا تخف ” و كانت هذه آخر كلمات أقولها قبل القيامة أو ما يشبه القيامة.
و يكمل و ارتعاش أطرافه يعطي دليلاً على رجوعه بالذاكرة إلى تلك اللحظات التي عاشها بالفعل منذ بضع ساعات ماضية و يقول “ما هي إلا دقائق و سمعنا صوت هدير الطائرة التي ظننا أنها للمراقبة فقط، و لكن صوت الصواريخ غيرت كل التوقعات وشلت الأفكار وشوشت التفكير “.
أكمل قائلاً يصف ما حدث ذلك اليوم الدموي ” لجأ بعضنا للاختباء في حفر فردية بين الصخور إلاّ أن الصاروخ أدى لتفتيتتها وجعلها أقوى و أقسى من شظايا الصاروخ اللعين نفسه”، و أضاف أبو نورس و الحرقة في صوته ترافق دموعه التي حاول جاهداً إخفاءها لفقده رفاق السلاح و إن أغلى من رفيق السلاح “المكان الذي لجأ إليه أغلب الشهداء والمصابون كان عبارة عن مذبحة حقيقية بين شظاياه المختلطة بشظايا الصخور المتناثرة، والتي يخفيها الغبار والبارود الذي غطى كل المكان” .
و بالإشارة إلى أسفل ساقه تأكيداً على ما حدث أردف قائلاً ” مسك أحد المصابين قدمي دون أن أتمكن من معرفته من كثرة الغبار و قال لي أرجوك لا تتركني و أجبته بصراخ المتخبط الضائع لن اتركك، ولكن انتظر حتى ينجلي الغبار و أرى ما يمكنني فعله لك”.
و يضيف أبو نورس و هو يمسح عيونه و لحيته السوداء التي غير ملامحها لون الغبار ” لم أعرف ماذا أفعل و خصوصاً أن أصوات المصابين من رفاقنا في كل مكان يستغيثون ويطلبون المساعدة ” .
و اختتم حديثه واصفاً شعوره بعد انجلاء الغبار و تخييم القهر والعذاب من هول ما رأت عيناه من أشلاء هنا وشهداء هناك وقال ” بعد رؤيتي للأشلاء و جثث الشهداء و رفاقي المصابين يئنون ألماً، أول شيء خطر ببالي يوم القيامة، فقد أحسستها مشاهد من ذلك اليوم العظيم”.
فكم من عزيز فقدناه بسبب حقد النظام وظلمه وجبروته، وكم من غال على قلوبنا أصبح ذكرى مؤلمة تضج بها أفكارنا، و تستجيب لها دموعنا في كل حين.
رحم الله شهداءنا وانتقم ممن كان سبباً في قتلهم.
بقلم : محمد المعري
المركز الصحفي السوري