ارتفع عويل قلبٍ احترق بنيران الانتظار لتطلق أم وليد العنان لروحها متمنيةً أن تغادر ،ولكن تجدها مكبلة بأغلال الحيرة متعلقة بابنها الطبيب الثلاثيني “وليد” الذي كان يسعف الجرحى في إحدى مشافي مدينة إدلب.
في أحد ممرات المشفى من عام 2013 تعود أم وليد لتعيش حلما لا تفتأ تنتظره وأمل تترقبه بعد أن تحطمت أحلامها تحت وطأة الواقع، وتلاشت آمالها كسراب لملمته شمس المغيب ورحل معها.
ابنها وليد ممدد على سرير ملطخ بالدماء إثر إصابته بشظية غادرة لإحدى الطائرات سكنت عموده الفقري.
يخرج الطبيب من غرفة العمليات قاصدا أم وليد التي ترمقه بنظرات التوسّل والرجاء، وأوجاع روح حزينة، آملة نجاة ابنها ليخبرها “”وليد بخير وصحتو منيحة بس صعب يرجع يمشي على رجليه””.
هذه الكلمات نزلت كسحابة ماطرة أطفأت نيران فؤاد أم وليد لسلامة ابنها، ولكن بالوقت نفسه كان كصاعقة أدمت جوارحها لما أصاب ابنها من عجزٍ أبدي، لتطلق بعض كلماتها عاجزة عن التصديق “”يعني ابني صار مشلول “”.
ليجيبها الطبيب بأن الشظية استقرت في العمود الفقري وأحدثت عجزا بنسبة ٨٠ %.
في غرفةٍ بالمشفى تمر الأيام على أم وليد وابنها كحرب باردة تداعب خصلات شعره البنية وتتلمس عيونه السوداء، فهي تضم وليد بقلبها وروحها بعد وفاة أخيه، تمسك بيده تحادثه بدفء، لتسمع صوتاً هادئاً “”ماما أنا بخير لاتقلقي ، فترد “”سلامتك ياروحي ريتني انا ولا انتي”.
تقاطع حديثهما ممرضة تدفع كرسيا متحركا أمامها، يتظاهر وليد بالقوة ويحبس دموعه متوجها بكلامه لأمه “ساعديني ماما لان اشتقت للبيت كتير” تلبي نداءه بروح طائعة ومشاعر ممزقة.
لم تعد مهنة الطب تناسب وليد، الأمر الذي أجهد روحه وزعزع كيانه، لكن لابد من الاعتياد على حياته الجديدة وسيعتاد الاعتماد على أمه كثيراً، محاولاً تخطي الأزمة باحثاً عن جرعة أمل صادقة لايكدر صفوها إصابة أو عجز .
لطالما ردد وليد بأن الحياة مرتبطة بالأمل حتى لايغرق داخل أوجاعه، والشظية التي شلّت قدميه لن تشلّ عزيمته وتصميمه على مساعدة الناس والاستمرار في الحياة.
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع