بينت الأحداث الأخيرة تزايد احتمال تقسيم سوريا. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مساحات سيطرته في الشمال منطقة حكم فيدرالية. ويظهر سحب روسيا لمعظم قواتها أن استعادة النظام للسيطرة على كامل البلاد لم تكن هدفا لبوتين. وتشير التصريحات الأخيرة بأن خيار الفيدرالية يمكن أن يوضع على طاولة محادثات جنيف.
والتلميحات الأخيرة في تصريحات وزيري الخارجية الأميركي والروسي في الانفتاح على نوع من تقسيم سوريا قد بعثت برسالة قوية، ومن المحتمل أن يكون الحديث السياسي المنمق عن الفيدرالية أو تقسيم سوريا مؤخراً عاملاً آخر من عوامل فشل محادثات السلام.
وجاء الرد الإقليمي على هذه الرسائل ليثبت أن أي خطاب حول نموذج تقسيمي ما لسوريا خطاب مستفز بطبيعته. فقد رفضت جميع الفصائل السورية الرئيسية إعلان الاتحاد الديمقراطي للمنطقة الفيدرالية. كما شددت القوى الإقليمية سواء الداعمة للنظام أو للمعارضة، على أهمية وحدة الأراضي السورية حتى قبل الإعلان الكردي الأخير.
إلى حد ما، يزداد الإنقسام بين القوى الدولية والقوى الإقليمية المعنية في سورية. إذ تبدو دول مثل الولايات المتحدة وروسيا أكثر تقبلاً للفيدرالية كوسيلة لتحقيق الاستقرار في البلاد عبر إعطاء كل طرف في النزاع ‘قطعة من الكعكة’. وتفضل روسيا نظاماً فيدرالياً يقلل من صلاحيات منصب الرئاسة بما يتيح الإبقاء على بشار الأسد في موقعه مقابل تفويض بعض السلطات للمجموعات الأخرى. أما بالنسبة لإيران وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، فهي ترى بأن الفدرالية يمكن أن تكون سابقة تؤدي لتحريك مطالب مماثلة في بلدانهم.
وتذهب الشكوك الإقليمية حول الفيدرالية أبعد من ذلك. فهناك شعور قوي أيضا، لاسيما داخل سوريا، بأن توزيع السلطة على أساس جغرافي سيرسخ مسارا لا يمكن وقفه صوب التقسيم الرسمي، الذي أعلنت اللجنة العليا للمفاوضات رفضه كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة رفضه أيضاً على الصعيد الوطني السوري.
لا يمكن إنكار أن القوى الدولية والإقليمية سوف تلعب دوراً هاما في إنهاء هذا الصراع يوما ما. ومع ذلك، فمخاطر الطريقة التي تجري بها حالياً صياغة حلول الحكم المحتملة جعلت غالبية السوريين أكثر ريبة من النوايا الدولية المشبوهة وأقل احتمالاً لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، فتقديم ذلك يتطلب الثقة في الوسطاء الخارجيين.
ربما يتقرر يوماً ما أن نظام اللامركزية أو الفيدرالية هو أفضل طريقة لتشكيل دولة سورية عادلة. ومع ذلك، فالمناقشة السابقة لأوانها لهذه المفاهيم التي تعتبر بالنسبة للكثيرين مكافئة للتقسيم أو الانفصال ستجعل القوى الفاعلة الإقليمية والمحلية أقل استعدادا للنظر في سبل جديدة لتوزيع السلطة في سوريا، أو قبول فئات سورية إضافية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي على طاولة المفاوضات.
مركز الشرق العربي