|
||
لم يكن لجيش يتحكم به المخلوع الفاسد أن يواجه أي تمدد عسكري للحوثيين، ومن الطبيعي تبعا لذلك أن ينسحب أمامهم جبهة إثر جبهة حتى عدن، وتهديد باب المندب، بما يعنيه ذلك من تطور إستراتيجي في المشهد الإقليمي.
من هنا، كان من الطبيعي أن يتحرك الخليج عبر عاصفة الحزم، وتسانده مصر التي يهدد أمنها القومي وقوع باب المندب بيد إيران، حتى لو كانت لها تفاهمات آنية مع إيران، لكن ذلك لا يعني بأي حال أن المشهد قد أعلن الختام، بل إننا قد لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إنها ليست سوى البداية.
إذا كانت أميركا بقضها وقضيضها قد تورطت في العراق وخرجت منه مهزومة قبل أن يستدعيها “المقاومون الممانعون” من أتباع إيران من جديد، وإذا كان نظاما أمنيا راسخا مثل النظام السوري، وبدعم استثنائي (مالا ورجالا وسلاحا) من إيران لم يتمكن من إنجاز حسم عسكري مع مجموعات مشرذمة من الثوار السوريين حُرمت بضغط دولي من السلاح النوعي الذي يواجه طيران النظام، وهو عنصر تفوقه. ولا ننسى ما يجري في العراق، وعجز مليشيات بمئات الآلاف عن تحقيق حسم في مواجهة تنظيم يحاربه العالم أجمع لولا دعم التحالف الدولي.. إذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن لعصابات حوثية أن تسيطر على بلد طويل عريض بسطوة القوة، ومن ثم تتحمل مسؤولياته كاملة، فضلا عن أن تواجه قصفا بالطيران، وربما أشكالا من التدخل البري لاحقا، إلى جانب مقاومة غالبية الشعب العسكرية والسلمية؟!
واقع الحال هو أن ما جرى في اليمن لا يعدو أن مستنقعا جديدا تورطت فيه إيران، سيعزز منظومة استنزافها على كل صعيد، كحال معظم القوى والإمبراطوريات في التاريخ التي شتتت قواها في كل الأنحاء حتى لم يعد بوسعها تحمل النزيف، فلجأت إلى التراجع أو إجراء تسويات تضعها في حجمها الطبيعي، وربما دون ذلك بحسب تطورات المشهد في الميدان.
من العبث الاعتقاد بأن اليمن سيستسلم لحكم الحوثيين، بصرف النظر عن النتائج الآنية أو القريبة لعملية عاصفة الحزم. ومن العبث الاعتقاد بأن السعودية ودول الخليج ستقبل ببقاء الحال على ما هو عليه حتى لو جرى تأمين عدن، فضلا عن استمرار مساعي التقدم نحوها، أو حتى احتلالها.
بل إن من العبث الاعتقاد بأن النظام المصري، ورغم بؤس سياسته الخارجية سيسكت أيضا على سيطرة الحوثيين على باب المندب وتهديد قناة السويس حتى لو قُدمت له ضمانات بأن ذلك لن يحدث في الوقت الراهن.
وفي حين كنا نقول إن المشهد العراقي سيتكرر هنا من حيث منح حاضنة للقاعدة، وحتى لتنظيم الدولة في مواجهة الغطرسة الحوثية، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا من ذلك، لأن العراق فيه غالبية شيعية إذا استثنينا الأكراد الذي يستقلون عمليا في الشمال، والنتيجة أننا إزاء مشهد سوري حقيقي، ولكن بطبعة أسوأ من زاوية النظر الإيرانية (في الحالتين ضحت إيران بالأقليتين العلوية والحوثية على مذبح أحلامها المجنونة).
ففي حين تتشابه الحالتان اليمنية والسورية من حيث وجود أقلية طائفية لا تتعدى 10% تتحكم بالوضع، فإن الأمر في اليمن مختلف إلى حد كبير، فلا وجود هنا لأقليات تساند النظام كما في سوريا، ولا وجود لنظام راسخ يشتري جزءا من الأغلبية ويدفعها إلى التعاون معه بخطاب التخويف من “التطرف”، ولا وجود أيضا لخاصرة لبنانية يتحكم بها حليف آخر هو حزب الله، ولا وجود أيضا لدعم دولي لاحتلالهم، ولا وجود هنا للكيان الصهيوني الذي أسند النظام بدعم فكرة بقاء الحرب إلى أطول فترة ممكنة لاستنزاف الجميع، وهو ما حدد مواقف الغرب مما يجري.
هنا في اليمن تبدو المعادلة أفضل بكثير بالنسبة لمن يقاومون الحوثيين وحليفهم المخلوع، سواء لجهة ما ذكرنا، أم لجهة الدعم الذي سيتدفق أيضا عليهم من أجل إفشال المخطط، وهو ما سيفرض على إيران في المقابل أن تبذل الكثير الكثير من أجل منع ذلك، ما يعني أن الكلفة هنا قد تتجاوز حتى كلفة الحرب في سوريا، وحتى لو تم توقيع اتفاق النووي بشكل نهائي (نهاية يونيو/حزيران) وتم رفع العقوبات التي ترتبت عليه (هناك عقوبات لا صلة لها بالبرنامج واستثنيت من الرفع بحسب الاتفاق المعلن)، فإن ذلك لن يؤدي إلى وضع يسمح باحتمال كل هذا النزيف الهائل.
لكن الأهم من ذلك كله هو أن اليمنيين لن يقبلوا بحكم أقلية بسطوة القوة، وهم بسواعدهم سيكونون العامل الأكثر حيوية في توجيه المعركة وصولا إلى حسمها وإعادة الأمر إلى نصابه. ومع انضمام قوة كبيرة في الساحة اليمنية، أعني حزب التجمع اليمني للإصلاح إلى مؤيدي عاصفة الحزم، فسيغدو المشهد أكثر استنزافا للحوثيين وحليفهم المخلوع، عسكريا وشعبيا، وصولا إلى دحرهم.
من الأفضل والحالة هذه ألا تتطور عاصفة الحزم إلى عملية برية، وإذا كان ولا بد فعلى نحو محدود لتأمين باب المندب، والمسار الذي يستنزف الحوثيين وإيران هو توصيل السلاح إلى القوى التي تقاومهم في الداخل، مع كل أشكال الدعم الأخرى.
وفي كل الأحوال لن يكون الحسم سريعا على الأرجح، لاسيما أنه جزء من معركة أكبر مع عموم مشروع التمدد الإيراني الذي لم يغادر مربع الجنون بعد، لكننا على ثقة بأن النهاية هي فشل المشروع، وهذه الأمة التي أفشلت مشروع الغزو الأميركي للعراق، وقاومت قبله مستعمرين كثرا، لن تعجز عن إفشال مشروع التغول الجديد، والأيام بيننا. |