العرب القطرية
واصلت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضية جل اهتماماتها بالحديث عن الثورة السورية وتداعياتها الخطيرة التي لا يحمد عقباها أحد، وذلك عبر افتتاحياتها ومقالات لكبار الكتاب.
فمن جانبها قالت بعض الصحف إن العالم لا يزال يتوافق حول تغليب فكرة الحل السياسي للأزمة السورية لإنهاء معاناة الشعب السوري في الداخل، لاسيَّما بعد تعذّر الحسم العسكري من قِبل أيٍّ من طرفي النزاع.
وفي ذات السياق قالت بعض الصحف إنه لا بد من التوافق بين المعارضة السورية في الداخل والخارج، والدفع في اتجاه الاتفاق على أرضية مشتركة بينهما (جنيف-1)، إلى جانب الدور النشط الذي يقوم به المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
ومن جانبها رأت بعض الصحف أنه لا بد من طي صفحة الخلافات بين قوى المعارضة السورية، وفتح صفحة جديدة من العلاقات تتوخّى المصلحة الوطنية العُليا ورفع المعاناة عن الشعب السوري، والحفاظ على وحدته وترابه الوطني.
ومن جانبها انتقدت بعض الصحف الدعم اللامحدود من جانب روسيا وإيران لإعانة بشار الأسد على قتل شعبه وتشريد الآلاف وتدمير سوريا.
ففي هذا الشأن قالت صحيفة الوطن السعودية في إحدى افتتاحياتها إنه منذ اندلاع الثورة السورية وحتى الآن، لم يكن نظام بشار سوى ميليشيا عسكرية منظمة، تعد واجهة لإيران وروسيا. بقاء النظام السوري حتى الآن كان بفضل هاتين الدولتين، مثلما ساعده تخاذل المجتمع الدولي، وتردد إدارة أوباما في إنهاء الأزمة قبل عامين.
وأضافت أن نظام الأسد، وبعد أن فقد شرعيته، وفقد ولاء شعبه، اضطر إلى التحالف مع نظامي طهران وموسكو، وبقاء النظام كان مرهونا ببيع الوطن السوري، ليتحول هذا البلد إلى ساحة للصراع والمواجهة بين القوى الدولية والإقليمية. ولأن الأنظمة القمعية -حال نظام البعث- هشة وكرتونية ولا تقوم على أسس من المواطنة والعدل والشرعية فقد عمد نظام بشار إلى لغة السلاح مباشرة، وكحال أي جيش يعمل تحت مظلة نظام قمعي فإن الجيش السوري قد انخفض عدده من 325 ألف مقاتل في بدء الثورة إلى 150 ألفا. 50 ألفا منهم قتلوا، وانشق عن هذا الجيش أكثر من 75 ألفا، بعضهم هاجر خارج سورية. فكيف لهذا النظام أن يصمد على الأرض؟
وأضافت بالطبع فإن نظام بشار لا يعتمد على الجيش السوري النظامي وحده، قدر اعتماده بشكل كبير على الدعم البشري من مقاتلي حزب الله وباقي جيوب الحرس الثوري الإيراني والفيالق التابعة له. وتابعت من هنا تحولت سوريا إلى بركة دماء.
وأضافت أنه في 2013 هاجم النظام السوري الغوطة الشرقية بالأسلحة الكيماوية، وقتل في إثر ذلك الهجوم أكثر من 1500 مدني، ما دفع بأوباما إلى التهديد بضربة نوعية لمواقع حساسة تتبع للنظام السوري، لكنه عدل عن ذلك وتراجع، وكانت الإشاعات قد صدرت أن هذه الأسلحة ما هي إلا كذبة أميركية أخرى في المنطقة، لكن آثار هذه الجريمة وتداعياتها خرجت الآن، حيث بدأت تظهر العديد من حالات التشوه على الأجنة الذين يولدون لآباء عاصروا تلك الجريمة أو كانوا في الغوطة الشرقية أثناء القصف الكيماوي.
واختتمت الوطن افتتاحيتها بقولها إن سوريا الآن تمثل أعقد ملف سياسي دولي، مثلما تمثل أصعب وضع إنساني، وما يزيد من تعقيد أزمتها استمرار أعداد القتلى والنازحين، والانسداد السياسي الواضح لإيجاد مخرج حقيقي لهذه الأزمة.
من جهتها قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحياتها إن التاريخ سيسجل أن سنة 2014 هي الأسوأ، والأمر في التاريخ العربي الحديث. فقد أفرزت أحداثا جساما، وأدخلت جُل العرب في نفق لا ضوء يلوح في نهايته، ولا صدى يرجع.
وأضافت ثورات «الربيع العربي» وتداعياتها تدخل عامها الخامس، في ظل احتدام الصراع الإقليمي والدولي، الذي أفرز حروبا عسكرية لم تخمد، وفصائل مسلحة، أبرزها الدولة الإسلامية وأخواتها ما زالت تتمدد.
وتابعت: لكن لعل أبرز ما تبلور في عام 14 تناحر المحاور، التي تجسدت بالمحور الأميركي، الذي يسمى «الشرق الأوسط الجديد»، والتاريخي الإيراني التوسعي، الذي أفرز بدوره ولادة «شرق أوسط إسلامي سني-شيعي»، أبرز ملامحه الحالية والمستقبلية التناحر والصراع المفتوح على الجبهات كافة، بدءا من سوريا، مرورا بلبنان حزب الله، اتجاها نحو اليمن والبحرين، وليس انتهاء بسياسة صراع الأضداد مع دول الخليج.
وأضافت: لقد دخلت الجامعة العربية سباتا مزمنا، عوضته عودة قوية لدول الخليج، التي سجلت حضورا عربيا ودوليا، تعزز بعد اتضاح مآلات المفاوضات النووية بين الغرب وإيران، ما أنتج أخيرا ما بات يسمى «حرب النفط» لإضعاف المحور الروسي-الإيراني، والذي سبب أضرارا كبيرة لأسعار النفط، ووجعا اقتصاديا غير مسبوق للدولتين النفطيتين، قد يربط بمناورات عسكرية قامت بها إيران في مضيق هرمز الحيوي قبل ختام العام، بدعم من روسيا، والتي تبدو وكأنها عرض قوة.
وأضافت أن الوضع في شمال سوريا، ليس أفضل حالا، إذ وصفته الأمم المتحدة بأنه الأسوأ في التاريخ المعاصر. بعد مقتل عشرات الآلاف من السوريين من طرف السلطة، التي تحتكر الحكم منذ نحو نصف قرن والمعارضات المسلحة التي تنشد الإنصاف، في وقت دمرت مئات آلاف المنازل، فيما هجر ملايين السوريين داخليا وخارجيا. ولا تلوح في أفقها أي غيمة بيضاء.
وتابعت فلسطينيا.. حققت القضية اختراقا تاريخيا من خلال اعترافات برلمانية أوروبية بالدولة الفلسطينية، في ظل تأفف أوروبي من جمود المفاوضات ووصولها إلى خيار الصفر. ومشروع أممي يلوح في الأفق قد يفجر الأوضاع مجددا، بعد عام من المعاناة الشديدة وتوقف إعمار غزة وتواصل تقديم الشهداء، وتعاظم أعداد المساجين، وتوسع المستوطنات، وجلوس القدس على قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.
وأضافت أما لبنان فلم يكن أفضل حالا، فقد عجز الفرقاء -لأول مرة في التاريخ- عن صناعة رئيس جديد للبلاد، مع تسجيل البلاد قلاقل وتوترا مرتبطا بالثورة السورية، خاصة بعد اندلاع اشتباكات مسلحة بين الجيش اللبناني ومواطنين في الشمال، ولاحقا مع مسلحين سوريين أدت إلى مقتل عدد من الجنود، واختطاف مسلحي «النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» عددا آخر منهم، ما زالوا قيد الاختطاف، هذا فضلا عن إعلان الحكومة اللبنانية إيقاف استقبال النازحين السوريين.
وأضافت رغم تسجيل تونس بارقة أمل في عام قاتم، عبر اجتراح أول انتخابات ديمقراطية لرئيسها، إلا أن القصة لدى جارتها ليبيا كانت الأسوأ منذ الاستقلال، فقد بدأت البلاد العام بصراع المدن لتنهيها بحرائق النفط، فيما السجال بين الحكومة الشرعية والجماعات المتناحرة في أوجه، وحبل الصراع على غاربه، وسط صمت غربي مريب.
وتابعت أما اليمن «السعيد»، فقد سجل المفاجأة غير السعيدة، بسقوط العاصمة بيد الحوثيين وتهديدهم وحدة البلاد واندلاع التصفيات مع «القاعدة» مع إفراغ منصب الرئيس الشرعي من مضمونه بعد الاستيلاء على الجيش، واستمرار تدحرج الصراع إلى جوار البلاد.
وأضافت أن السودان الكبير -الذي انشطر نصفين- بدعوة إلى حوار سياسي، وانتهى مع جنوبه المستقل بتصعيد عسكري، وكان بامتياز عام الآلام، وملاحقة السلام عبر الوساطات الدولية، واستنفار منظمات الإغاثة الإنسانية، وتحذيرات من نذر مجاعة تهدد حياة الملايين من المواطنين.
واختتمت بقولها إننا نودع عاما عربيا قاطرا بالدم، نستقبل آخر مجهولا، ولا يبدو أننا على أبواب إطفاء حرائقه، التي بدأت بحريق ذيله لتنتشر إلى باقي عباءته.
وفي إحدى مقالاته بصحيفة النهار اللبنانية يقول الكاتب غسان حجار في إحدى مقالاته إنه بعيدا من الحس الإنساني، الذي يدفعنا في أحيان كثيرة إلى قبول الواقع، وعدم الطلب إلى السوريين العودة إلى بلدهم وتحويلهم مشاريع ضحايا وقتلى وشهداء، إذ لا تهم التسمية أحيانا أمام واقع مأساوي نتيجته واحدة، وهي فقدان الحياة، فإن الواقع يجعلنا نتخبط في صراع مرير، يجعل من الضروري التفكير بواقعية، والنظر إلى الوقائع بمنطق الربح والخسارة، وبعالم الأرقام، والأهم في المصلحة الوطنية العليا التي يجب أن تتقدم على كل حساب آخر.
وأضاف في لبنان حاليا، مليون و200 ألف سوري لاجئ مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ونحو 300 ألف، على أقل تقدير، غير مسجلين من أبناء الطبقات المتوسطة والثرية، يضاف إليهم نحو 500 ألف فلسطيني لاجئ، ما يجعل عدد اللاجئين نحو مليونين، في مقابل 4 ملايين لبناني مقيم. وبين السوريين نحو 150 ألفا إلى 200 ألف شاب تدرب في الخدمة العسكرية، ما يعني أنهم مؤهلون للقتال إذا ما أرادت إحدى الدول العاملة على إشعال الفتن استغلالهم وتحريكهم، يضاف إليهم رقم هائل في الولادات بلغ 40 ألفا في السنة في مقابل 80 ألف مولود لبناني جديد مسجل، عدد كبير منهم يولد ويكبر في الخارج.
وتابع الكاتب في مؤتمر جنيف حول سوريا أخيرا، كان بحث فيما سمّي إعادة توطين سوريين في بلد ثالث، مما يعني حكما أن لا أمل قريبا في إعادتهم إلى بلادهم في وقت قريب ومنظور، وهو أمر يخدم النظام السوري، بقصد أو بغير قصد، الذي يرفض إعادة كثيرين إلى قراهم وبلداتهم، لأنه يصنفهم في خانة المعارضين له، ويفضل أن تتولى دول أخرى ترحيلهم إليها، وحجب جواز السفر السوري والجنسية عنهم لاحقا. لكن الصدمة أن الدول المشاركة في مؤتمر جنيف، قررت رفع عدد اللاجئين المنوي تسفيرهم إلى دول أوروبية، من 100 ألف إلى 130 ألفا، يعني أقل من عشر عدد السوريين في لبنان، من دون احتساب إعداد اللاجئين في الأردن وتركيا. وإذا أرادت الدول المانحة توزيع العدد على الدول الثلاث فإن نصيب لبنان لن يبلغ 50 ألفا في الحد الأقصى، ما يعني حكما أن الحل المقترح لن يحرك مياها.
وتابع أن الأخطر في الحل المطروح، هو ما لفت إليه وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رشيد درباس في المؤتمر، إذ حذر من أن تعمل دول أوروبية على ترحيل المسيحيين أولا، ثم النخبة المثقفة التي تهرب إبان الحروب، وبذلك تساهم هذه الدول في القضاء على التعدد والتنوع السوريّيْن، وتفرغ المجتمع من كفاءاته العلمية.
واختتم الكاتب مقالاته بقوله إن إعادة سوريين إلى مناطق آمنة وتوفير سبل العيش لهم أقل تكلفة من ترحيلهم إلى دول أخرى، وتساهم في إعادة النسيج الاجتماعي لسوريا، إلا إذا تحول هدف المجتمع الدولي من ضرب النظام إلى ضرب أسس الدولة السورية