خطيب بدلة (عنب بلدي)
نشرت صحيفة “عنب بلدي” في موقعها الإلكتروني خبرًا مفصلًا حول توصية من مجلس الشعب السوري بزيادة الرواتب والأجور للعاملين في المؤسسات الحكومية لعام 2019. هذا الخبر يحيل ذاكرتنا، نحن “الختايرة” المتقاعدين، إلى مسلسل زيادة الرواتب الذي تابعناه في ظل نظام الأسدين المُوَرِّث والوريث منذ خمسين سنة.
إنه مسلسل ميلودرامي سوري مُطَعَّم على مكسيكي، يبدأ بإشاعة تطلقُها شعبُ المخابرات المركزية، وتطلب من فروعها في المحافظات بَثَّها بين الناس.. وفي اليوم التالي ترى واحدًا من عناصر المخابرات جالسًا في غرفة مدير مؤسسة أو دائرة ما، يحتسي الشاي متمهلًا بوصفه ضيفًا مهمًا، وقد تحلق حوله بعض الموظفين، ويقول إن زيادة الرواتب صارت على الأبواب، ويغمز بعينه للدلالة على الثقة والأهمية، ويضيف: وهاي المرة زيادة محرزة! فإذا سأله أحد الحاضرين عن مصدر معلوماته يرفع إبهامه إلى الأعلى، مع غمزة إضافية مؤكِّدًا أنه استقاها من (فوق).
للحقيقة والتاريخ، ولكي نخلص ذمتنا من الآثام والذنوب، فإن عنصر المخابرات المذكور “ما بيعرف طيزه من لبن الضرف” (مثل شعبي)، ولا يعرف مِنْ “فوق” غير الطابق الذي يقع فيه مكتب المعلم، ولا يعرف مِنْ (تحت) غير قبو التعذيب الذي تأتي منه أصوات ولاويل المعتقلين الذين سَوَّلَت لهم أنفسهم الأمارةُ بالسوء معاداةَ القائد.. ولا معلمه المباشر يعرف شيئًا عن زيادة الرواتب، ولا حتى العميد رئيس الفرع.. وأنتم لا تمتلكون الحق في أن تطلبوا مني أن أحلف لكم يمينًا، ومع ذلك سأحلف لكم بأن أعضاء مجلس الشعب الذي يُعرف باسم “مجلس التصفيق والدبكة”، أنفسهم لا يعرفون الشيء الكثير عن هذا الموضوع، بدليل أننا كنا نذهبُ إليهم، عندما نسمع إشاعة الزيادة، ونسألهم عن مدى صحتها، فيقول أحدهم: ما في شي من هاد. ويقول الثاني: والله نحن سمعنا بهذا الموضوع مثلنا مثلكم. ويقول الثالث: لا أعرف، ولكنني التقيت وزير المالية في آخر اجتماع للمجلس مع الحكومة وقال لي إنهم يجهزون مشروعَ مرسوم زيادة.
يمكننا بالطبع أن نتقدم خطوة إلى الأمام ونزعم أن وزير المالية ورئيس مجلس الوزراء يمتلكان فكرة ما عن زيادة الرواتب، ولكن أيًا منهما لا يجرؤ على التصريح بوجودها، إذ إن التجارب علمتهما، وعلمت كلَّ الناس المناحيس الذين جعلتهم الأقدار يولدون في سوريا الأسد، أن “لا يقولوا فول، حتى يصبح الفول في العدول”، يعني، بالمختصر المفيد، يمكن أن تخرج الزيادة من اللجنة المختصة في وزارة المالية، وتُرْسَل إلى رئيس مجلس الوزراء للمصادقة، ثُم تُحال إلى “مجلس التصفيق” وتُنَاقَش، ويجري إقرارها، ولكن، وبمحض المصادفة، لا تتوفر النية لدى القائد التاريخي في إقرار زيادة هذه الفترة، فتعود النسخ الكثيرة التي طُبعت منها قبل المداولة وبعد المداولة إلى الأدراج.. ويمكن، في مرة أخرى، أن يحصل العكس، إذ يقترح أحد المصفقين الدابكين زيادة الرواتب، والاقتراح يُرفض من المجلس، ومن الوزير، ومن رئيس الوزارة، ومع ذلك يشاء الأب القائد التاريخي إدخال السعادة إلى قلوب رعاياه، فتكون الزيادة، وتخرج الجماهير في الشوارع لتشيد بعطاءاته التي لا تنضب.
نقلاً عن: عنب بلدي