كثيراً ما يختلط عليّ الأمر بين روسيا الآن وسورية ما قبل الثورة. كان يدهشني دائماً كيف يمكن لسياسيين معارضين، حشروا في سجون الاستبداد الأسدي سنوات طوالاً، أن يمتدحوا سياسة الأسد الخارجية.
العلّة ليست في أنهم كانوا يؤكدون على ذلك في محاضر التحقيق الأمنية الخاصة، كما كانوا يروون لأصدقائهم، إنما في تأكيدهم في كل مكان أن سياسة الأسد الخارجية وطنية وحكيمة.
والأدهى من ذلك كله هو قدرتهم على الفصل بين سياسة داخلية وسياسة خارجية، وبعضهم باحثون علميون وأساتذة جامعات. وكأن الوطنية لا علاقة لها بالوطن والمواطنين وحقوقهم، وكأنها تتحدد بعدو خارجي ومجابهته شكلياً، فلا يتساءلون: كيف لبلد تنخر عظامه وأحشاءه السياسة الداخلية أن يقاوم أي معتد خارجي؟ وكيف لسياسة تقضي على مقومات الوطن أن تكون وطنية؟ كثير من أصدقائنا المعتقلين السابقين لم يكن يعجبهم ذلك.
ذلك ما كان في سورية، واليوم تشهد روسيا شيئاً مماثلاً. فإلى جانب احتلال الفساد مفاصل البلاد واحتلال روسيا مرتبة متقدمة بين الدول الأكثر فساداً، واقتصادها بين الاقتصادات الأكثر بؤساً، والتنمية فيها متفاوتة إلى درجة أنك حين تقارن بين الخدمات في العاصمة وبعض الأرياف تخال أن تلك الأرياف تابعة لأراضي العدو، الذي تتعين الوطنية بمواجهته.
ومع ذلك، فقد بيّن استبيان للرأي أجرته مؤسسة “الرأي العام”، أخيراً، أن 53 في المائة من الروس يؤيدون سياسة بوتين الخارجية، ويرون نجاحات معتبرة تحققت في عهده، مقابل 15 في المائة يرونها فاشلة، فيما تعذرت الإجابة على 32 في المائة. وأما العلّة فيجدر البحث عنها لدى أولئك الذين يؤيّدون السياسة الخارجية. فـ 23 في المائة منهم، يضعون ضمّ القرم في قائمة النجاحات، مقابل 7 في المائة يرون النجاح في تطوير العلاقات مع بلدان الشرق.
وأمّا ما يختلف به الروس المعجبون بسياسة بوتين الخارجية عن السوريين المعجبين بسياسة الأسد الأب، هو أنّ 5 في المائة منهم فقط يؤيدون سياسة بوتين في “مواجهة الضغوط الغربية”، و4 في المائة يعجبهم أن العالم بات يحترم روسيا أكثر. الفاصل ضئيل بين (يحترم) و(يخشى) ويعجب الروس أن يخشاهم الآخرون.
العربي الجديد