قبول ميركل بالخطة التركية يمثل مشاكل سياسية لهولاند ولرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي يكافح للفوز في استفتاء يجري في يونيو على البقاء في الاتحاد تمثل فيه الهجرة قضية كبيرة.
فبعد أن مدت بساط الترحيب في سبتمبر الماضي أمام اللاجئين المتدفقين على أوروبا في خطوة أثارت انزعاج كثير من القادة الأوروبيين الذين لم يؤخذ رأيهم في الأمر، تراهن ميركل مجددا على صفقة تم التوصل إليها في وقت حرج مع تركيا لوقف جحافل المهاجرين.
وتم ارتجال هذا الاتفاق ليلا قبل أسبوع من انتخابات إقليمية في ألمانيا يواجه فيها حزبها احتمال الهزيمة. ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الصفقة ستتحول إلى انفراجة في أزمة المهاجرين أم لغم إذ أن رد الفعل في ألمانيا يبدو متباينا على رهان ميركل التركي.
وفاجأ رئيس الوزراء التركي أحمد داودأوغلو الجميع بوصوله إلى اجتماع بين ميركل ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته في بروكسل، الأحد الماضي، ومعه خطة جريئة عرض بها استقبال كل المهاجرين أوروبا مرة أخرى مقابل مكافآت سياسية واقتصادية لبلاده.
وأكدوا أن ميركل شعرت بأن هذه الصفقة يمكن أن “تغير الأمر برمته” لأن مكاسبها ستفوق التنازلات التي سيقدمها الاتحاد الأوروبي في المقابل بكثير. فالثمن الذي طلبه داودأوغلو هو مضاعفة الأموال التي ستدفعها أوروبا لإبقاء اللاجئين في تركيا والتعجيل بإتاحة السفر للأتراك دون تأشيرات وبالمحادثات الرامية لضم تركيا لعضوية الاتحاد.
وذهل الدبلوماسيون عندما طرح الاقتراح عليهم في القمة الأوروبية واستاء البعض من إخفاء الأمر عنهم خلال التحضيرات لدرجة أن أحد الدبلوماسيين رد قائلا “اسأل السيدة ميركل” عندما سئل عن مدى اتساق الفكرة مع القانون الدولي.
وقد أمضى رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، الأسبوع الماضي، يومين في تركيا التقى خلالهما مع داودأوغلو والرئيس رجب أردوغان لدراسة تفاصيل صفقة مختلفة ولم تقدم له أي مفاتيح عن الصفقة الجديدة. ولم يدع أي من توسك أو رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر للاجتماع التحضيري ليل الأحد.
كما لم تدع فرنسا أقرب الشركاء الأوروبيين لألمانيا والتي قللت إلى أدنى حد ممكن التزامها بقبول لاجئين بسبب المخاوف الأمنية منذ هجمات نوفمبر الماضي في باريس وبسبب صعود نجم مارين لوبان زعيمة حركة اليمين المتطرف المناهضة للهجرة.
ورغم أن ميركل حرصت على إشراك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في دبلوماسيتها مع روسيا فيما يخص أوكرانيا لكنها لجأت هذه المرة إلى روته باعتباره واحدا من بين الزعماء الأوروبيين الذين أبدوا استعدادا لقبول لاجئين سوريين مباشرة من تركيا.
وكان روته هو صاحب الاقتراح الذي أثار جدلا كبيرا بقبول لاجئ سوري مباشرة من تركيا مقابل كل لاجئ يقبل الأتراك عودته من الجزر اليونانية. فقد ترك ذلك الباب مفتوحا دون تحديد عدد اللاجئين الذين سيقبلون في أوروبا، وذلك بعد أن أخفقت ميركل في إقناع الآخرين بقبول لاجئين في اقتراحات ألمانية سابقة.
وفوجئ توسك بأنه طرف في لعبة شد وجذب بين ميركل والمستشار النمساوي فيرنر فايمان الذي أغضبها بعقد مؤتمر لدول وسط أوروبا والبلقان الشهر الماضي دون مشاركة ألمانيا والنمسا للتنسيق بهدف إغلاق حدود هذه الدول في وجه المهاجرين.
وضمن توسك تأييدا من السفراء الأوروبيين بالفعل من أجل إغلاق طريق البلقان بعد ضغط كبير. فقد كانت خطة ميركل الرئيسية “الحل الأوروبي” تقضي بإقناع أنقرة بمنع المهاجرين من مغادرة شواطئها وإعادة من لا يتأهلون للحصول على حق اللجوء إلى بلدانهم الأصلية أو إلى تركيا وتقسيم اللاجئين الشرعيين في ما بين الدول الأوروبية.
أما الخطة البديلة التي تعكس ارتيابا في أن تركيا ستنفذ التزاماتها كما تعكس نفاد صبر عدة دول لاستمرار وصول اللاجئين، فكانت تنطوي على إغلاق الحدود عبر منطقة البلقان وإبقاء المهاجرين الجدد في اليونان.
وربما يمثل قبول ميركل بالخطة التركية مشاكل سياسية لهولاند ولرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي يكافح للفوز في استفتاء يجري في يونيو على البقاء في الاتحاد تمثل فيه الهجرة قضية كبيرة.
ومع ذلك، فإن أغلب القادة يمتنعون عن الاعتراض على ميركل صاحبة أطول فترة في الحكم بين زعماء دول التكتل والتي تقود أقوى الدول الأعضاء في الاتحاد، وذلك في وقت تحتاج فيه هي للدعم السياسي.
بول تيلور – العرب