” أنت شاب منحرف، وتفكيرك ما بناسبني ، لازم نفسخ الخطبة وهاليوم”، قال الأب لسعد.
” شوف كيف شيخ “….” موالي للكفار، ومن يتولهم فهو منهم، وأنت عم تمدح فيه”، يكمل كلامه الظالم، كما يقول سعد.
سعد، شاب سوري بسيط، لكنه طموح، وأنّى ينفع الطموح في بلاد العرب، 25عاما، من أسرة فقيرة، ريفية.
لم يمنعه الفقر والبعد عن المدينة، من دخول الجامعة، وامتلاك مركز اجتماعي
ذا شرف ورتبة بين الناس.
” أنا بحب الدراسة من صغري، وكنت أدعي أنو ربي يرزقني من عملي في العلم والتدريس،
كنت متفوق بكل صفوفي، مع إني كنت اشتغل بالصيف والشتاء، لساعد ابوي “. يقول سعد.
تفوق في الثانوية، كرم المحافظ سعد وأسرته ومدير مدرسته التي تفوق فيها.
” إجاني اتصال إنو مجموعي عالي، وإنو ترتيبي الثالث عالمحافظة ،بعدا طلبنا المحافظ، وكرمنا، شفت الفرح والدمعة بعيون أبوي البسيط، وأمي، فرحت كتير”.
دخل الجامعة، حقق حلمه وتخرج منها، وفي قلبه الأمل ليكمل دراسته، ويسافر للعمل.
قامت الثورة في سوريا، التحق بها مقاتلا، وتعرض للموت كثيرا.
ولم يثنه ذلك عن مساندة شعبه كغيره من الشباب. لكن الجزء الأهم في نظره، هو تمكنه من التدريس ونشر العلم، فأسس مدرسة، وأدارها، وجمع بين التدريس والقتال بجانب صفوف الثوار.
مع تردي أحوال الثورة في الفترة الأخير، قرر الهجرة لتركيا، ليكمل دراسته.
كان قلبه يعتصر ألماً لحال الثورة. وللسنوات التي قضاها فيها، دون بلوغ النصر.
قرر بداية صفحة جديدة، إكمال الدراسة وتأهيل نفسه، حتى إذا ما عاد لسوريا، يشارك في نهضة بلده.
رغب سعد بالزواج، تعرف على عائلة عن طريق صديق، تكلم مع الأب، الذي أعجب به كثيرا. ونشأت بينهما علاقة قوية مبدئيا.
سمع سعد أن هدى، فتاة ذات خلق، جمال متوسط، وتحفظ القرآن، وترغب في الدراسة.
تلك هي مواصفات عروس المستقبل التي يريدها الشاب الطموح.
علم عندما زار العائلة، أنها غنية، وهنا، أحس سعد بالخطر في أن يقصر عن تلبية احتياجات الزواج. لكن الأسرة، كانت تطمئنه، أنها تبحث عن الأخلاق.
إلا أن سعد، شعر في كثير من المواقف، أن الأسرة، ترغب في أن يكون لابنتهم كما للكبيرة من مستقبل، فزوج البنت الأكبر يعمل في منظمة مشهورة، وراتبه ضخم، وسعد لا يستطيع مجاراته.
رفض سعد الكثير من عروض المنظمات للعمل معها، لأجل القتال والرباط مع أصدقاءه، وكان له أثر في حياته، ولا يزال يفخر بذلك رغم سوء حاله.
ملأ الحب قلبه من خطيبته، وكانت تبادله الشعور، كان براها هدية الله له وعوضه عما فاته، حاول الإسراع بالزواج، لكن الوضع في تركيا لم يسعفه.
حصلت مناوشات كلامية كثيرة بينه وبين الأب. ثراء الأب ومركزه جعل سعد يتجنب النقاش معه ليحافظ على فتاته، لكن الأب كان يتعمد التضييق عليه.
أراد الأب تنميط سعد وقولبته بشخصية خاصة، وأن يجعله يفكر بطريقته، حتى في أمور السياسة.
” الأب كان مشوش، وما عرفان شو بدو، كل مرة كان برأي شكل، وبكل مرة بدو ياني فكر بطريقة مختلفة، كان عصبي وعنيد، ماقدرت اتحمله”. يقول سعد.
لم يتمكن سعد من مجاراته، عزة نفسه، وثقته التي اكتسبها من تجارب حياته, خصوصا في الثورة، التي بذل روحه رخيصة لها، ورفضه الكثير من فرص العمل المغرية لأجلها، جعل سعداً قوي الشخصية ولا يهادن، ولكنه لم يكن يعلم، أن ذلك سينهي على حبه، ويقطع وتينه.
” انا كنت اركض تحت الصواريخ والرصاص لحتى أنقذ رفيقي المجروح”..
” خضت أهوال صعبة متل أي مقاتل، وهاد واجب علي، بس ما قدرت أصبر عشخص بدو يخليني أتخلى عن مبادئي ويمحي شخصيتي ” . يكمل سعد بحرقة..
تحدثت خطيبته معه، وشعرت بالخطر، ونصحته، حاول تفادي الأب ولكن الأوان فات، وقرر الأب فسخ العقد، وطأ بقدمه على كل قلب سعد، فاذاه، وكبح جماح حبهما الذي وصل أصداءه تركيا.
التمايز الطبقي سواء العلمي أو المالي، عامل مهم في اختيار الزوج، أو رفضه.
إلا أن سعداً ، أدرك ذلك متأخراً. أصيب باكتئاب، ومرض ، بعد فترة ، تعافى
وانتعش من جديد. أدرك أن حياته العلمية وخدمته لوطنه وشعبه هي أسمى ما يريده.
فنظر من نافذة في السماء إلى الأرض، أحس بواقعية الحياة واتساعها، وأنها من طبيعتها الاستمرارية، ولام نفسه لأنه تأثر أكثر مما ينبغي.
محمد الإسماعيل/ المركز الصحفي السوري