لا يخفى على أحد حال معتقلات النظام، وحال من يدخلها، والظلم الكبير الذي يواجه كل من يقوده حظه العاثر الى دخول تلك السجون.
“ن م ” شاب سوري خرج من معتقلات نظام الأسد قبل سنةٍ ،وقد تواصل مع بريد المركز الصحفي السوري، وطلب منا إيصال قصته للعالم ، كان الشاب قبل عشرة أعوام تقريباً في لبنان، وكان في السادسة عشرة من عمره، اضطر للعودة إلى سورية بعد سماعه خبر وفاة والدته ، فما كان من حاجز الأمن العسكري في مدخل حمص إلا أن اعتقله، فقط لأنه من حيٍّ ثائر ، نُقل بعدها إلى أقبية التحقيق، وهنا بدأت المعاناة، حيث قال لنا:
” منذ اللحظة الأولى قال لي المحقق عليك أن تختار بين الاعتراف بأنك قتلت وهربت سلاح أو اغتصبت أو كنت تنتمي لفصيل أو أن تبقى تحت التعذيب ، قلت له إن عمري ١٦ عام واليوم وصلت من لبنان لما لا تتأكد من هذا رد علي….. بكل برود هذا أمر لا يخصني ما دمت وصلت الى هنا فعليك أن تعترف ”
بعد ذلك اختار الفتى الاعتراف ببعض التهم، التي لم يرتكبها، لكي يخفف عن نفسه التعذيب الذي كان يبدأ بالكرسي الألماني وينتهي بالتعليق على الحائط لأسبوعٍ، أو إقتلاع الأظافر.
وبعد الاعتراف، نقل “ن م ” إلى دمشق، ليدخل في موجه تحقيقٍ جديدةٍ في أفرع العاصمة، لتنتهي به تلك الدوامة في سجن “صيدنايا”سيّء السمعة، قال لنا
” لقد كان دخولي لسجن صيدنايا كابوساً حقيقياً، هناك تمنيّت الموت ألف مرة على ما رأته عيناي ، كنا في المهجع السادس، وكان لدينا يومياً حالات وفاةٍ وتصفية معتقلين، هناك من يموت من العطش لأنهم يحرمونا الماء لأيام ، وهناك من يموت من المرض وهناك من يموت من الضرب والتعذيب ”
على الرغم من أن محدثنا تكلّم معنا لساعات عن حوادث مهولة حصلت في سجن صيدنايا،وعن البربرية اللامتناهية التي كان يتعامل بها العناصر مع السجناء، لكننا لم نستطع من خلال هذه الأسطر القليلة أن نغطي كل تلك المعاناة وكل ذلك الألم الذي يعتصره، يحدثنا عن رواسب تلك الحقبة وما يعانيه الآن من ألمٍ نفسيٍّ وجسديٍّ، فقال:
” اليوم لا أستطيع النوم لأكثر من خمس ساعات باليوم ..أعاني من أرق وعدم قدرة على النوم ..آثار التعذيب إلى هذه اللحظة على جسدي ظهري وقدمي ، عانيت من السلس البولي، والجرب، أشكو من الديسك ولكن..الحمدلله، أنا الآن حر طليق، وكل ما أطلبه هو أن أتمكّن من الهجرة والخروج الى أوربا، وأتم علاجي، وأتقدم بإجراءات رفع قضية على الأجهزة الأمنية، التي سلبتني أجمل سنين حياتي ”
لا شك أن حالة هذا الشاب واحدةٌ من آلاف الحالات التي نسمع عنها كل يوم في الإعلام، ولكن..كما يقال ” ما مات حق وخلفه مطالب ”
ومن هنا يبرز دورنا كإعلاميين في البحث عن حقوق هؤلاء المعتقلين التي لم ولن تضيع بالتقادم ….
بقلم ضياء عسود