ست سنوات والحرب لا تتوقف بل امتدت، وشملت كل ما يتواجد على أرضنا.. أبدلت البيوت الآمنة بالخيام الحدودية، ووظائف الأكفاء لعناصر الأمن الطامعين المتسلقين على حساب مصير الآخرين، فلو احتجت لاستشارة طبية عليك أن تسعى جاهداً للوصول لطبيب حقيقي موثوق، وإلا فعليك عبور الحدود؛ لتستشير وتتعالج عند أخصائيين معتمدين.
وهو ما فعلته (دعاء 23ربيعا) عبرت حدود سوريا بتحويلة طبية لإجراء عملية جراحية لعدم توافر الإمكانات في المناطق المحررة، واستحالة الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام، فاختارت تركيا للعلاج.
ومثلها كثيرون، حيث تظهر بيانات وزارة الصحة التركية أنها قدمت أكثر من خمسة عشر مليون خدمة طبية للسورين.
تظهر دراسات متخصصة في هذا الشأن أن أطباء تركيا ذوو مستوى متوسط مقارنة مع أطباء سوريا، في الكفاءة.
فعند تسليط الضوء على إحدى هذه الحالات التي تم التعامل معها من جانب أطباء أتراك.. هي (دعاء): عانت منذ عشر سنوات من بوادر الجنف (انحناء بالعمود الفقري لإحدى الجانبين)، وتطور مع مرور السنوات والتجاهل وعدم توافر فرص العلاج المناسب في سوريا، لكن بعد سنوات كان لا بد من تدخل جراحي بسبب مضاعفاته وضغطه على مجال حركة الرئتين، وبالتالي تهديد حياتها.
دخلت بقدميها إلى غرفة العمليات، مع الوعود بنجاح للعملية، لكن ما حدث في غرفة العمليات أن الأطباء أثناء العمل الجراحي وتثبيت العمود الفقري تسببوا بانضغاط النخاع الشوكي؛ بسبب صفائح التثبيت التي فشلت أثناء العملية، مما اضطرهم لنزعها وإخراج المريضة من المشفى، وتحويلها لإجراء علاج فيزيائي، لتأهيلها كمريضة شلل، بعدما كانت سليمة تمشي وتقضي حوائجها بمفردها.. وها هي الآن ترافقها قثطرة وكرسي متحرك.. وأمها.
” الله لا يسامحن قالوا رح تنجح العملية وتتحسن، بس طالعوها مشلولة، قال هون ما تم لها علاج، روحوا على الفيزيائي.. تواصلنا كتير معهن، وكان كلامهم بس ترجع تمشي جيبوها لنعملها نفس العملية.. بس ما عاد فيني راهن على النجاح بعد كل الي عم نمر فيه”.
تدمع عيناها وتنتفخ حنجرتها وكأنها حنجرة ضفدع يطفو على سطح الماء ويستريح، لكن الفرق بينهما أن انتفاخ حنجرتها كأن آلاما وغصات جمة لا يمكن معها راحة، تزدرد لعابها بصعوبة وتكمل: “الأطباء السورين الي استشرتن حكوا انو ما في صفائح بجسم بنتي، وأنو الخطأ الطبي ضغط النخاع الشوكي، وفعلا ما في علاج غير التأهيل الفيزيائي..”.
اليوم دعاء تتنقل بين مراكز العلاج الفيزيائي يوميا؛ لتلقّي العلاج، طبعا أمها تحضرها على الكرسي المدولب، وتساعد في تنقلها.
دعاء فاقدة للحركة والإحساس أسفل منطقة الإصابة بالطرفين السفليين، أيضا تعايشت مع الكرسي والقثطرة وجهاز تدريب الوقوف.
تجري جلستين يوميا من الصباح حتى منتصف النهار لتعود مساءً إلى دار الجرحى مع أمها تجر الكرسي، وخلفها انقطع خيط أمل بعودة ابنتها للحياة المفترضة – حياة شابة.
شابة فقدت فورة شبابها وزهوها وهي الآن غارقة باليأس والنفور، النفور من كل شيء حتى من نفسها.
يشحب لون وجهها وتشيح بنظرها نحو الكرسي المدولب، المركون بجانب السرير وتشد قبضة يدها ارتباكا ” هيك رب العالمين قدّر، رح ارجع اعمل العملية؛ لأرجع طبيعية”.
يارا تامر- المركز الصحفي السوري