بعد صمود دام ثلاث سنوات من الحصار ومعاناة من الألم والجوع ، ودعت أول دفعة من المصابين والمرضى حي الوعر المحاصر في مدينة حمص، تركوا الحي والدموع تنهمر من أعينهم حزناً على من تبقى لهم داخل الحي من أقارب، فالجوع والمرض يأكل من أجساد أطفالهم وشيوخهم أمام أعينهم بعد فشل العالم والمنظمات الإغاثية في إدخال المساعدات الغذائية والطبية.
لقد توقف كل شيء بحمص عن العمل حيث أغلقت المنظمات الإغاثية والمشافي الميدانية والصيدليات والمحال التجارية أبوابها في ظل ذلك الحصار الخانق مما أدى لعشرات الوفيات جوعا ومرضا، وانتشر الكثير من الأوبئة كالقمل والجرب واليرقان و الأمراض المعدية الكثيرة.
“علاء” أحد أهالي حي الوعر الذين خرجوا ضمن اتفاق الهدنة الأخير، يتحدث للمركز الصحفي السوري فيقول: ” كنا محاصرين لدرجة، إذا أصيب أحدنا بشظايا أو جراح أو بقي تحت الأنقاض، نقول الله يرحمه فما من إمكانية لمساعدته”. ويعاني أهالي حي الوعر البالغ عددهم 12 ألف نسمة – حسب إحصاءات رسمية – في حمص حصارا خانقا وأوضاعا إنسانية صعبة بسبب الحصار والتجويع الذي فرضته قوات النظام المتمركزة على أطراف الحي حيث يمنع من دخول المواد الغذائية و الحليب والطبية بالإضافة للقصف اليومي الذي يتعرض له الحي بكافة أنواع الأسلحة والطيران إضافة لرصاص القناصين الذين يحصدون أرواح أهالي الحي بشكل يومي.
فلا يوجد عائلة في الحي إلا وقد أخذت نصيبها من القناصين هناك، نسب كبيرة من الإعاقات فمنهم من بترت أطرافه العلوية أو السفلية وخاصة الأطفال. أحمد أحد المصابين من حي الوعر المتواجد حاليا في ادلب يقول: “أصبت بثلاث طلقات في قدمي، أدت لإعاقتها، لم يستطع الأطباء المتواجدون في الحي سوى إخراج طلقة واحدة”. أما عن الجوع الذي كانوا يتعرضون له فقال، ” كنت أخرج بشكل يومي أبحث عن شيء أطعمه لأطفالي، أحيانا كنا نضطر لسلق الخبيز أبو بعض الحشائش أو ورق الشجر بدون ملح أو زيت و آكل أنا بقايا الخبز المعفن كي لا يمرض أولادي”، ويجهش في البكاء متذكرا ما مر عليه من مآس و ألم، عندما يبكي الرجال يكون الوجع عميقا.
وكالعادة في أيام الحروب والحصار يكون لتجار الأزمة دور، فقد قام بعض من أهالي الحي بالتعامل مع عناصر النظام المتواجدين على أطراف الحي بإدخال بعض المواد الغذائية بأسعار خيالية حيث بلغ سعر لتر زيت دوار الشمس 6 آلاف ليرة سورية، وسعر كيلو الملح 15 ألف ليرة، وسعر ربطة الخبز 20 ألف ليرة سورية.
” حي الوعر لم يسقط و مهما حاصرنا النظام وقتلنا فلن نتراجع عن ثورتنا ضد ظلمه وسيعود حي الوعر لنا بإذن الله “. هكذا قال أبو هادي الذي خرج مع الدفعة الأولى من أهالي حي الوعر، حيث خرج ما يقارب 22 عائلة في 25 قافلة تم نقلهم إلى مدينة ادلب بسبب سوء حالتهم الصحية. روى أبو مصطفى في ادلب للمركز الصحفي السوري القادم من حي الوعر، حيث قال: “لا تزال مجزرة حديقة الألعاب في العيد راسخة في ذهني، قتلهم النظام ببراميله بدم بارد، كانوا يلعبون بالألعاب، ضحكاتهم تملأ المكان وفجأة جاء طيران الحقد ليقتل فرحتهم ويلون الحديقة بدمائهم ، دفنوا حيث كانوا يلعبون”. الحالة النفسية سيئة لدى أهالي حي الوعر خلفه قصف النظام و الجوع، أصبحت النساء الأطفال و الشيوخ لا يستوعبون ما مر عليهم من ألم و معاناة، بدت واضحة على وجوههم و أجسادهم النحيلة. أما أم يزن فهي بحالة نفسية سيئة تشعر وكأن قواها العقلية غير متوازنة خاصة وبعد أن خرق النظام الهدنة في ادلب أول أمس، ” شعرت و كأن النظام يلاحقنا حيث أتينا في ادلب، لم أنم منذ يومين أنا و أطفالي”.
قصص و حكايات من الوجع السوري لا تنتهي، وفشل الدول الكبرى في مساعدة الشعب السوري، حيث يتبع النظام السوري سياسة الحصار والتجويع كوسائل ضغط على المواطنين والمقاتلين المتواجدين في المناطق الخارجة عن سيطرته كحي الوعر بحمص والزبداني ومضايا وبقين ومعضمية الشام وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق، تلك العقوبة زادت من إرادتهم وتصميمهم في مواجهة النظام وظلمه وقمعه حتى نيل الشهادة أو النصر.
المركز الصحفي السوري ـ سلوى عبد الرحمن