جريدة العربي الجديد:
يكاد موضوع عقد لقاء للمعارضة السورية في القاهرة، للسعي لتوحيدها حول رؤى مشتركة، يكاد يتحول الى موضوع لخلافاتها، وهذه مفارقة مؤسفة، فالمعارضة السورية بارعة في الاختلاف على كل شيء. فثمة تنافس على من هو الأب الشرعي لمؤتمر القاهرة بين مجموعة من الأفراد الذين كانوا يجتمعون بصفاتهم الشخصية في جنيف منذ شهور وناقشوا الفكرة وتواصلوا مع المصريين من قبل، وبين هيئة التنسيق التي زارت مصر في شهر كانون الأول وناقشت الأمر مع نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية، ومع نبيل فهمي وزير الخارجية المصرية، وبين الائتلاف الذي زار وفد منه القاهرة والتقى وفد هيئة التنسيق وتم صياغة مسودة بيان مشترك من ستة نقاط، وبين اطرف اخرى خارج هذه الأطر والتي تريد أن تسهم في مؤتمر القاهرة، وزاد في الطنبور نغماً عندما بدأت جماعة قرطبة تتحدث عن مؤتمر القاهرة وأنها كانت تعمل على عقده. وبالتالي أصبح السؤال: من هو أب هذا اللقاء ومن سيدعوا له؟
نبيل العربي رحب بتبني مؤتمر المعارضة السورية على غرار مؤتمر 2-3 تموز 2012 والذي كان الممثل الأوسع للمعارضة، وأفشله المجلس الوطني يومها. ولكن العربي قال، حسب بعض التسريبات، أنه لا يستطيع استثناء دعوة الأخوان المسلمين أو إعلان دمشق التي اعترضت الخارجية المصرية على مشاركتهم في المؤتمر.
المشكلة أن مصر حددت موعد مؤتمر القاهرة في 23 كانون الثاني كي يكون قبل لقاء موسكو المزمع عقده في 26 كانون الثاني، أي لم يبق سوى بضعة أيام لتجاوز كل هذه الخلافات، مما يضع اطراف المعارضة تحت ضغوط كبيرة، مما لا يتيح اي تحضير جيد لأي لقاء، وبالتالي لا بد من تأجيل هذا المؤتمر الذي يؤمل ويرتقب أن يكون “تاريخي”.
الأمر المهم اليوم أن اطراف المعارضة جميعها تدرك أهمية عقد مؤتمر للمعارضة يوحد الرؤى والمواقف وتتوافق على: 1) وثيقة أو ميثاق سياسي 2) خريطة طريق لحل سياسي في سوريا اعتماداً على جنيف، 3) تضع إطاراً تنظيمياً لتنسيق عملها.
بالنتيجة، أول المسائل التي يجب مراعاتها من قبل الجميع هو ان تتجنب أطراف المعارضة الاختلاف حول عقد مؤتمر المعارضة المنشود، إذ لا ينقصها الاختلافات، وثانيها أنه لم يبق زمن كاف للتحضير لمؤتمر ناجح في 23 كانون الثاني، وأن تأجيله بات ضرورياً، ثالثها يجب ان يعقد المؤتمر تحت رعاية الجامعة العربية، رابعها يجب عدم قبول اعتراض الحكومة المصرية على مشاركة أي من أطراف المعارضة، فاللقاء تحت راعاية الجامعة، رغم أن معلومات تسربت تفيد أن الحكومة المصرية لا تتدخل.
إن التاريخ الضاغط جاء بسبب تحديد موعد لعقد لقاء موسكو في 26 كانون الثاني الذي حدد الروس كل شيء فيه على هواهم. وأعتقد أن لقاء موسكو لا يحتاج لتشاور، فرفض الدعوة هو الأمر الوحيد المنطقي، لأن الروس لم يغيروا شيئاً في دعوتهم الأصلية حتى الآن، رغم الملاحظات التي وردت حتى من تيار بناء الدولة وهيئة التنسيق، فالروس هم من اختار ممثلي المعارضة، وهذا مبدأ مرفوض أيّ كان هؤلاء الممثليتن، فالقبول يعني الغاء وتهميش اية تنظيمات للمعارضة واعتبار المدعوين مجرد أفراد سوريين يلتقون مع ممثلي عطوفة حكومتهم العتيدة، والدعوة تأتي بلا أي جدول أعمال أو برنامج، وهو مجرد لقاء ربما “للدردشة”، وليس تفاوضاً تحت مظلة الأمم المتحدة وفق جنيف، بينما يحصد القتل والموت والبرد والبحر السوريين في كل يوم، وحضور اللقاء يعني تنازل المعارضة عن جنيف، رغم أن الروس قد زعموا ان هذا اللقاء يأتي تحت جنيف، ولا يجوز للمعارضة أن تساعد روسيا على لعب دور وساطة، ما لم تغير روسيا موقفها من الصراع الدائر في سوريا والمنحاز بكليته الى جانب النظام، تغيره ليغدو في الوسط، وبالتالي فإن عقد هذا المؤتمر يعني تلميع صورة النظام بدون اي مقابل، وبذز الشقاق في صفوف المعارضة، وهذا لا ينقصها. فإن غير الروس في شروط دعوتهم وفي موقفهم، فدورهم مرحب به.
موسكو ستعقد لقاءها بمن حضر، فدعوها تعقد لقاءاً فاشلاً، طالما أن الائتلاف لن يشارك، وإن بقيت أطراف المعارضة التي توصف ب “الليّنة”، وهي تيار بناء الدولة وهيئة التنسيق على موقفهما الرافض للمشاركة ما لم تتغير شروط دعوة موسكو، ولن تتغير كما يبدو. فلن تجد موسكو سوى أطراف تزعم أنها معارضة، وهذا لن يقدم لموسكو وللنظام أية منفعة.
إن كان ولا بد، فيمكن في هذه العجالة عقد لقاء تشاوري في القاهرة يضم نحو 70 شخصية معارضة للتشاور حول مسألتين:
1- التشاور حول أسس عقد مؤتمر واسع ناجح للمعارضة ووضع محددات هذا النجاح والتعاهد على العمل لإنجاحه، والاتفاق مع الأمين العام للجامعة العربية على تبني الدعوة للمؤتمر وتحديد موعده ومكانه، وأن يكلف أحد المسؤولين في الجامعة بالتنسيق لعقد المؤتمر، وأن يشكل اللقاء لجنة تقنية تمثل فيها اوسع اطياف المعارضة، تعمل تحت اشراف ممثل الجامعة العربية على اختيار الجهات المدعوة وممثليها وأعدادهم وتحديد الشخصيات المستقلة التي ستدعى للمؤتمر.
2- التشاور حول موقف موحد تجاه المشاركة في لقاء موسكو، وإصدار بيان موحد يحدد موقف المعارضة وفق المحددات التي ذكرناها أعلاه، كي تتمكن المعارضة من المشاركة في لقاء في موسكو والذي يجب تأجيله، إن أرادوا له النجاح.
سمير سعيفان
كاتب سوري