” هل أصبح طلب الحرية و الكرامة و قول الحق ذنباً و جريمة يعاقب عليها القانون ؟! “، كلامٌ يقوله أبٌ سوري و هو يذكر ابنه الشاب و ما حلّ معه بعد انطلاق الحراك الثوري في سوريا، حيث شارك براء في عدة نشاطات ثورية في الحراك السلمي باسم حركي لأنه يعلم كثرة عدد أتباع النظام المتخفين لنقل معلومات النشطاء و تحركاتهم، فسعى إلى إخراج المظاهرات في أيام الجمعة من كل أسبوع عاملاً هو و رفاقه على تأمين مستلزمات المظاهرات من لافتات و أعلام و غيرها من الوسائل السلمية، إذ كان يخرج مقنعاً خوفاً من الاعتقال أو تسبيب المضايقات لأهله و أقاربه.
في شهر آذار/مارس من عام 2012، بدأت الأخبار تتناقل بين الناشطين من أبناء المدينة و التي كان مصدرها من داخل النظام أن جيش النظام مدعوماً بآلياته الثقيلة سوف يقوم باقتحام مدينة ادلب، فعمل والد براء على إخراجه مع أمه قبل اقتحام المدينة خوفاً عليه من خطر الاعتقال، و رغم معارضة براء لقرار أبيه إلا أن إصرار الأب دفعه لأخذ أمه إلى مدينة حلب حيث يقطن بيت جده، و فور وصوله إلى حلب مرّ على أحد الحواجز في طريقه إلى بيت جده، و كونه من تولّد مدينة ادلب، ذلك كان كفيلاً بأن يقوم عنصر الأمن المتواجد على الحاجز بإنزاله و ضربه و إهانته و اقتياده إلى فرع الأمن العسكري في حلب.
خمسة أيام قضاها براء في الفرع، ذاق خلالها أفظع أنواع التعذيب و الجرائم بحق الإنسانية كالصعق بالكهرباء و ” الشّبح و الدولاب و الكرسي الألماني ” تلك الوسائل التي طالما سمع عنها براء خارج القضبان إلا أنه لم يتخيل أبداً أن تصل درجة الألم إلى هذا الحد، بعدها نُقل براء و آخرون ممن كانوا معه في المعتقل إلى فرع الأمن العسكري في دمشق لينتقل إلى مرحلة أخرى من الاعتقال و التعذيب، إذ بقي براء في دمشق 62 يوماً خرج بعدها لكن مبتور الساق، عند إصدار رأس النظام السوري بشار الأسد عفواً عاماً عاد من خلاله إلى أهله و مدينته.
بعد مرور شهر على إصابة براء، نقله أبيه إلى أحد المشافي التركية ليقوموا بعملية جراحية له، حيث عمل الأطباء المختصون على زرع ساق الكترونية له، تمكنه من المشي و تفي بالغرض عوضاً عن ساقه التي فقدها.
فبعد انتهاء العملية وعودته لبيته، حالة أشبه بالهستيرية أصابت براء نتيجة ما شاهده خلال فترة تواجده بالسجن، فبرغم تواجده مع أهله وسماع صوتهم، إلا أن أصوات الشيوخ و الأطفال و الشباب مع مشهد دموعهم و تضرعهم للسجان، عند تعرضهم لأفظع أنواع التعذيب و الشتائم معه في السجن، لم يغب لحظة عن ذهنه مما أصابه بأزمة نفسية.
اضطر براء لمساعدة والده في العمل لعل أجواء السوق تخفف من حالته النفسية المحتدمة، فإعطاؤه ورقة تسوية وضع لعدم تعرض أحد له، ساعده بذلك، و في إحدى الأيام و هو عائد من العمل إلى منزله أوقفته إحدى دوريات قوات الأمن التابعة للنظام وسألته عن وجهته فأسرع مرتبكاً لإخراج هويته و ورقة التسوية علّه يقي نفسه بذلك من شرهم، إلا أن أحد ” الشبيحة ” الذين كانوا يقفون في تلك الدورية كان على خلاف مع والد براء فأسرع إلى القيام بتمزيق ورقة التسوية و دفع براء إلى إحدى سيارات البيك آب المتواجدة معهم و اقتاده إلى فرع أمن الدولة في المدينة.
تحريض على المظاهرات، تسليح للمدنيين ، ومساعدة الجنود على الانشقاق، المشاركة في عمليات قتل ضد عناصر قوات النظام داخل المدينة، كل تلك التهم وجهت لبراء عند اقتياده للفرع، رغم أنه لا يعلم منها شيئاً و لكن تحت التعذيب الذي تعرّض له لم يكن بوسعه إلا التوقيع على تلك التهم التي نسبت إليه علّه بذلك يوقف عنه ما يتعرض له من إهانات و ضرب و تعذيب.
لم يكن بمقدرة والد براء أن يفعل أي شيء ليخرجه من أقبية سجون النظام ، خاصةً بعد أن وقّع مرغماً على التهم التي وجهت إليه، فضعف وضعه الصحي و تأزمت حالته النفسية إلى جانب بكاء أمه التي لم تهدأ دمعتها منذ أن اقتيد إلى السجن، لتكون الصدمة الأكبر لهم بعد وصول خبر نقل براء إلى سجن صيدنايا في دمشق.
قرابة الثلاثة أعوام مرّت على اعتقال براء دون حول منه و لا قوة، في ظل انقطاع أخباره عن والديه اللذان لا يعلمان إن كان حياً أم ميتاً في أقبية النظام، بعد أن كثرت حالات الموت في السجون تحت التعذيب بين الشباب ، خاصةً في سجن صيدنايا الذي يعد سجن الموت في سوريا، ليضاف براء إلى قائمة المفقودين برفقة شباب في ربيع أعمارهم جلّ مطلبهم هو الحرية و الكرامة و العيش بدون قيود.
محمد تاج
المركز الصحفي السوري