يعودُ حسامُ إلى منزلهِ يومياً مع غيابِ الشمس، يأكلهُ التعبُ، بثيابهِ البالية ووجهه البارد وعيناهُ المحمرتانِ من آثارِ عمله، حسام ذو العشر سنين يعملُ في محلٍ للحدادة، يصارعُ الحديدَ هناكَ، بدلاً من أن يكون في مقعده التعليمي….
رأيتهُ بالصدفة أثناء مروري من أمام الورشة التي يعمل بها، كان يقص على “الصاروخ” تلك الأداةُ المرعبة والتي يهابها الكثيرين، كان يرتجف حسام، ويغمض عينيهِ خوفاً من الشظايا، كان يضعُ كرسياً من الحديدِ أسفل منه، لأنه لا يكاد يصلُ إلى الآلة بسببِ قصر قامته…
سألتهُ، حسام عزيزي، لماذا تعملُ هنا،؟ ألا تخافُ من الإصابات!!
أجابَ بعدَ صمتٍ وتنهيدة ” اعتدتُ على ذلك، فأنا أعملُ هنا منذُ سنة…”
تابعَ عملهُ وقاطعتهُ مرةً أُخرى .. وما الذي دفعكَ لهذا العمل!!؟
“رغبةُ والدي، لقد أجبرني على تركِ المدرسةِ والعملِ هنا، فبنظرهِ المدرسةُ ليست لأمثالي، وأن العمل يكسبني القوة والمال والحرفة الدائمة”
سألتهُ مجدداً، ألا تتمنى أن تكونَ كأمثالك من الأطفال؟
“بدت عليه ملامح الحزن، كادت تخنقه العبراتُ والآهات”
(بلى، أتمنى أن أذهب للمدرسة، ألعبُ كما يلعبون، وأكون صداقاتٍ مع أجيالي في المدرسة، لكن لا أعرفُ شيئاً عن المدرسة، درستُ فصلاً في السنة الأولى، من ثم أخذني أبي إلى هنا، لتعلم حرفة الحدادة، فبنظره أن تعلم الحرفةِ أهم من التعليم، وأنه لا يملكُ مصاريفَ تعليمي.
ولم يكن ذلك معي فقط، فإخوتي أيضاً يعملون ولم يكملوا تعليمهم ابداً.
“والذي يدفعُ والدُ حسام لذلك صعوبةُ المعيشة، والد حسام كان يعمل في البناء، سقط منذ عدة سنين من على السلم وشلت حركتهُ تقريباً.
كانوا يعيشون في منزلهم الواقعِ في ريفِ حماةَ الجنوبي، إلى أن غدرت بهم طائراتُ الاحتلالِ الأسدية، وساقتهم إلى مخيماتِ اللجوء، ليذوقو مرارة العيشِ هناك، هجرةً وحرماناً وفقراً وغربة…
كان حسامُ الصغيرُ هزيلَ البُنيةِ ضعيفَ البنان، يحلمُ أن يكونَ طفلاً، أن يتعلمَ ويمارسَ حقوقه، وأن لا يُعنفَ إذا لم يذهب لعمله، أو إذا قام بأحد الأخطاء أثناءَ عملِه..
تركتُ حسامَ وخرجت، والحرقةُ تدمي قلبي، ذلك الصغيرُ لم يستطع الحديثَ أكثر، بعدما اقترب صاحبُ العملِ على الوصول، قائلاً: معلمي يضربني إذا رآني أتحدثُ معكَ أكثر ولا أعمل..
حاله كحالِ آلافِ الأطفال، فلم يكن وحيداً، الكثيرُ من الأطفالِ أجبرتهم الظروفُ المعيشية القاسية على تركِ مقاعدهم الدراسيةِ والتسيبِ عنها، وذهابهم للعملِ في مواقِعَ ومهنَ يعجزُ عنها الكبار، لتأمينِ لقمةِ عيشٍ لذويهم، فهم أصبحوا المعيلَ ورجلَ المنزل.
أو كما يقولُ الأهالي بأن أبنائهم ليسوا أهلاً للدراسةِ, ومكانهم ليسَ المقعد الدراسي بل تعلم المهنة الحرفية.
مما يدعو ذلك للعملِ على نشرِ الوعي بينَ الأهالي، وتثقيفهم وزيادة معرفتهم وأن ذلك يودي بحياةِ أبنائهم، ويدمرُ مستقبلهم.
تقعُ مسؤوليةُ نشرِ الوعي على عاتقِ منظمات المجتمع الدولي، وحكومات الدول التي يجبُ أن تفرضَ ‘إلزامية التعليم’ ونشرِ المراكز التعليمية وحلقاتِ التعليم في المناطق النائيةِ التي أصبحت مؤخراً مأهولةً بالسكان.
كما يجب على المسؤولينَ هناك العملَ على دراسة الأوضاعِ المعيشية، وكفالة من لا يملكون قوت يومهم، ومن فقدو ابائهم وأصبحوا هم رجالُ المنزل، للحدِ من تلك الظواهرِ التي باتت منتشرةً بشكل كثيفٍ ومخيف، فهناكَ 168 مليون طفل يعملون حول العالم، هذا الرقمُ الصادرُ عن منظمة العمل الدوليةِ في العالم 2015، وإلى يومنا هذا، الرقمُ في ازدياد، وحسامُ يعملُ والمجتمعُ الدوليُ نائم…
إبراهيم الخطيب/ المركز الصحفي السوري