كلنا يتوق للعيش بحرية, وخصوصاً بعد الثورات التي قامت من أجلها بغضّ النظر عن فهمنا أو جهلنا لحقيقة الحرية.
تفاوتت الأفكار والأهداف حيال هذه الرغبة, فمنهم من يراها قول الحق والعيش بسلام, وآخر يراها العريّ والتبرج, والبعض يجدها في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والعلاقات المشبوهة والأفلام الإباحية, حتى أصبحت تشغل القسم الأكبر من أفكارنا, ولكنّ بعضهم وجدها سبيلاً لنشر الفكر التوعويّ, ومحاربة الفساد.
ولعلّ الألعاب التي أُدرجت ضمن الهواتف عبارة عن فكر يبتغي الحرية بمنظور خاص, فاحتلّت القسم الأكبر من أوقاتنا, وما انتهينا من لعبتيّ “مريم والحوت الازرق” حتى أتوا بلعبة “بوبجي” التي تحضّ الشباب العربي خاصة على العنف من خلال إثارة بعض الشخصيات الوهمية والأسلحة المشابهة تماما للواقع العربيّ المملوء أصلاً بما يُشبه تلك الألعاب من قتل وذبح وعنف.
هذا ولم يستطع الغرب أن يحقن أجساد الشباب العربي بالهيروئين والكوكائين بشكل كامل, فحقن أدمغتهم بألعاب وخيالات مختلفة, وانتقل القيد من الجسد إلى الفكر, ومما يدلّ على ذلك حوادث الانتحار المتكررة جراء هذه الألعاب, وانتشار عمليات قتل الاشخاص بعضهم بسببها.
على نفس السياق, تناقلت وسائل التواصل نبأ إقدام أحد الشبّان على قتل صديقه لخسارته في إحدى تلك الألعاب, ومشهد يافع يهذي بهذه اللعبة بعد خروجه من غرفة العمليات بتأثير المخدر, ولكن المثير للتساؤلات هو معرفة الغاية من اختفاء اللعبة فجأة وظهور لعبة أخرى, أهو تصميم لعبة تكون أشد خطراً وفتكاً بفلذات أكبادنا؟!.
على صعيدٍ متصل, بات أغلب العوام يمتلكون الهواتف فهي الجليس الأول في كل مكان, حتى غاب اهتمام بعضنا لبعض في اجتماعاتنا, فالكل منهمكٌ بهاتفه مختصرٌ فكره وبصره فيه بغية نيل الحرية التي يُريدها هو لا مجتمعه وحسب منظوره هو لا ما تقتضيه المصلحة .
وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على استهتار الغرب بفكرنا لإدماننا على تلك الحريات, ومما لاشكّ فيه أن الغرب أصبح شغلهم الشاغل تشتيت الفكر والاغراء بأبسط الترّهات, لإبعادنا عن أسمى قضايانا كالتحرير من الاحتلال بشتى أنواعه الفكري والسياسي .
وبالرغم من كل محاولات المفكرين العرب في جذب الشباب وتحذيرهم من خطورة أفعال الغرب, إلا أننا نجد معظم شبابنا قد انساق تماماً بأفراحهم وأحزانهم, والتقليد الأعمى لأفعالهم دون التفكير بالخطأ والصواب منها .
ومن جهة أخرى, الجامعات ليست بأفضل حالٍ مما ذكرنا سابقاً, فهي التي اتُخذت للعلم والفكر النيّر, أصبحت اليوم مأوىً للجهل والعلاقات المشبوهة والفساد الاداري والأخلاقي, وبضياعها سيضيع المجتمع المثقّف بأكمله إن لم نتدارك خطورة الوضع الذي هي عليه الآن, وكل ذلك تحت مسميّات الحرية الثقافية والانفتاح.
ولكن أحد أخطر الحريّات التي يُنادي بها شبابنا, هي حرية الجسد, والذي انحسر بين العريّ والتبرّج, وكأن الجسد بات فقط لهذا دون استخدامه لما فيه بناء الحضارات, ولذلك رأينا الانسان كله ينحسر عند هؤلاء بشكله الذي ربما قزّز البعض واستهوى البعض الآخر, ولكن العقل هو دائما زينة الإنسان وليس جسده.
وعلى الرغم من أن البعض يرى مفهوم الحرية هي حرية الفكر ومحاربة الفساد, إلا أن هذه الأقلية باتت تُعاني من التهديدات والملاحقات والاستنكار من شتّى فئات المجتمع والمُسيطرين عليه للحد من تكاثر هذه الفئة وازدياد حاضنتها, فالحرية لا تعني أن تهدر قيَمك ومبادئك, إنما هي أن تُحرر فكرك من قيود الغرب وتبعيتهم وأن تُساهم في إصلاح نفسك وغيرك والمساهمة في بناء النهضة للمجتمع الذي تعيش فيه.
بقلم : فداء معراتي