د . محمد مرعي مرعي
يمنح الشعب في كل دول العالم الشرعية لمن يمثّله ، وتتباين صدقية تلك الشرعية تبعا للنظام السياسي السائد ، إذ تكون الشرعية نابعة كليا من الشعب كما في الدول الديمقراطية فعليا ، وتكوم شرعية مزيّفة في الدول الديكتاتورية والوراثية بمختلف مسمياتها .
خلال الثورات الشعبية ضد حكام طغاة وسلطات اجرامية وفاسدة ، لا يستطيع الشعب المقهور والملاحق بساطور القتل التعبير عن صوته لمنح الشرعية لمن يمثّله ، لذلك يحيل قرار تمثيله إلى الثوار في الميدان الذين لا يهابون الموت ولا سلطة الحكام المجرمين الذين يقاتلونهم،ويعلن هؤلاء الثوار صراحة من يمثلهم في مؤتمراتهم الثورية وتظاهراتهم وعبر وسائط التواصل الاجتماعي دون خشية أو خجل ويسمّون ممثليهم بكل وضوح وجرأة .
في واقع ثورة الشعب السوري التي مضى على انطلاقتها 4 سنوات ، منح ثوار سوريا صفة تمثيلهم مرة واحدة فقط إلى المجلس الوطني السوري ثم اسقطوا ذلك التمثيل بعد شهرين حين انكشف ضعف أداء اعضائه وفساد بعضهم . وبعد ذلك لم يمنح قط الثوار صفة تمثيلهم لأي تنظيم أو كيان سياسي وبالتالي ليس لأحد شرعية ثورية .
لكن مع فظاعة جرائم السلطة وداعميها القاتلين للشعب السوري ( روسيا وإيران وميليشياتها الشيعية المجوسية ) سارع قادة في العالم الذين سمّوا أنفسهم أصدقاء الشعب السوري إلى تشكيل ما يسمى تجمّع (الائتلاف الوطني وملحقاته ) واختاروا أعضائه وفق حصص كل دولة تبعا لحجم التمويل المادي والنفوذ السياسي والجغرافيا والانتماء الايديولوجي،وتم كل ذلك بغياب تام لأي دور للشعب السوري وثواره في الميدان .
لقد رفض ثوار سوريا وشعبها هذا التجمّع الوليد منذ البداية لأنه صنيعة الخارج ومصالحه فقط ، وحصل انقطاع تام بينهما منذ اللحظة الاولى باستثناء فئة المرتزقة والمنتفعين بالمال المأجور الذين يعتاشون على ذلك الائتلاف وملحقاته .
لقد سعت الدول الخارجية التي شكّلت تجمّع الائتلاف وملحقاته إلى منحه الشرعية السياسية في بداية تشكيله ، ومارست ثقلها في المنظمات الدولية للاعتراف به حتى اعترفت به 110 دول سعيا لدفعه نحو ممارسة العمل السياسي والعسكري والمدني بشكل سليم ، لكن خاب ظن تلك الدول والمنظمات الدولية وتراجعت عن دعمه بعد افتضاح أعمال وممارسات وسلوكيات أعضائه الفاسدين الأمر الذي قلّص عدد من استمر بالاعتراف به إلى 11 دولة في العالم ، وحين فاح مزيد من روائح الفساد وممارسات التخريب المتنوعة من قبل أعضائه انحسر الاعتراف به إلى 2 دولة في العالم هما ( تركيا لاعتبارات انسانية وأخلاقية تخص الشعب السوري المهجّر ، قطر جراء الطموح السياسي الوهمي ) ، ولم تعد تقبل أي دولة بالعالم عقد اجتماعاته على أراضيها ، بل حتى رفضت كل دول العالم عقد مؤتمر للدول المانحة لمساعدات للاجئين السوريين في بلدانها ، جراء السرقات التي طالت أموال المساعدات من أعضاء الائتلاف وملحقاته ، وحاليا لم يبق له سوى روسيا لتدعوه لعقد لقاءاته فيها وربما ايران والضاحية الجنوبية في بيروت مستقبلا !!
هكذا ، شكلت القوى الكبرى والإقليمية ذلك الائتلاف وملحقاته ، ثم تراجعت عن اضفاء صفة الشرعية السياسية عليه ، وانحسرت تلك الشرعية إلى نسبة 1 % من الدول التي اعترفت به في البداية ، وبالطبع ذلك الموقف له مبرراته وأسبابه أهمها : ضعف الأداء السياسي إلى أدنى الحدود وممارسات الفساد والسرقات المالية والعينية من قبل أعضائه على حساب قوت وحياة الشعب السوري ، وبذلك سقطت الشرعية السياسية عنه .
أما الشرعية الثورية لذلك الائتلاف وملحقاته فلم تمنح له قط ، إذ أعلن ثوار سوريا وشعبها بوضوح تام أنه لا يمثلهم لقناعتهم المسبقة بعد خبرتهم به ، بأنه تجمّع مرتزقة يسرقون مساعداتهم من غذاء ودواء وسلاح وغير ذلك ويبيعونها إلى المهربين وتجار الدم ، وغدوا بذلك رجال أعمال بعد سرقة ما طالته أياديهم من مال وغيره .
هكذا ، أصيب الائتلاف وملحقاته الفاسدة بحالة من التعاسة الشاملة بعد انحسار الشرعية السياسية من دول العالم وانخفاضها من 110 دول الى 2 دولة واحدة تتواصل معه وأخرى تموله بأدنى الحدود ، وانعدام الشرعية الثورية من قبل الثوار في الميدان والشعب الثائر من حولهم منذ بداية تشكيله من قبل القوى الكبرى والإقليمية في ظل غياب ذلك الشعب وثواره . لكن من يدير ذلك الائتلاف وملحقاته وصلوا إلى مرحلة عدم الاحساس الكلي ، إذ لم يعد يهمهم حاليا بعد فقدان كل شرعية بوجودهم سوى السرعة في جمع آلاف الدولارات من أموال مساعدات الشعب السوري المهجّر والمنكوب واللجوء إلى الخارج وبعد انتهاء مهمتهم الانتقال إلى تلك الدول ، ثم الشروع في مرحلة استثمار أموالهم التي سرقوها من قوت الشعب ودوائه وحياته . وهكذا اصبحوا رجال أعمال ناجحين على جماجم الشعب المنكوب ودماء ثواره ، وإنها ثورة حتى النصر كما يدّعون ويعلنون !!!
ما الحل : تشكيل جبهة ثورية شعبية تضم شرفاء الوطن وأحراره فقط ، تستبعد كل من له علاقة سابقة بالسلطة الاجرامية وذلك الائتلاف وملحقاته الفاسدة …