خلال الأسبوع الماضي، قدم ما يقرب من 51 من مسؤولي وزارة الخارجية احتجاجا على السياسة الأمريكية في سوريا.وقد دعوا إلى توجيه ضربات جوية ضد نظام «بشار الأسد»، الذي زعموا أنه انتهك بشكل مستمر جميع اتفاقات وقف إطلاق النار. في ظاهر الأمر، يبدو هذا المطلب معقولا تماما. حافظ «بشار الأسد» ووالده «حافظ الأسد» على السلطة في سوريا منذ عام 1970 من خلال القمع والممارسة الدورية للإرهاب. واستنادا على دعم الأقلية العلوية في سوريا، فقد تم تأسيس قوة عسكرية وأمنية قامت بانتهاك كل معايير السلوك الإنساني القويم.
في عام 1982، قام «حافظ الأسد» بقمع الاحتجاجات التي اندلعت في حماة مما أودى بحياة ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف شخص. قام «بشار الأسد» بشن حملة لا تقل وحشية في أعقاب انتفاضة عام 2011 تسببت في بدء الحرب الأهلية التي لا تزال مستعرة إلى الآن.
ليس هناك شك في أن العالم سيكون مكانا أفضل من دون «الأسد». شن حملة من القصف ضد دمشق حتى يتم تدمير النظام هو أمر مبرر من الناحية الأخلاقية. وإذا كان يمكن لهذا القصف أن يتسبب في تغيير سياسة نظام «الأسد» تجاه المتمردين، فإن من شأنه أن يكون ذا قيمة هائلة.
ولكن المشكلة هنا ذات بعد ثلاثي. أولا: من الذي سيتولى مهمة هذا القصف. ثانيا: أعداد المدنيين الذين سوف يذهبون كضحية له، وكيف سيستجيب أنصار الانتفاضة وغيرهم ممن يطالبون بالتحرك لوقف وحشية الأسد لهذه الوفيات. وأخيرا، والأهم من ذلك، إذا أجبرت حملة جوية على الإطاحة بـ«الأسد» فكيف سيكون الوضع بعد ذلك.
مع البداية من السؤال الأخير فإن نموذج ليبيا يبدو حاضرا أمامنا. كان «معمر القذافي» بالطبع يتنافس مع عائلة «الأسد» و«صدام حسين» لنيل لقب السفاح الأكثر وحشية في المنطقة. تم قتل «القذافي» وتدمير نظامه إلا أن ذلك لم يتبعه إقامة الديمقراطية الليبرالية. بدلا من ذلك، فقد دخلت البلاد في حرب أهلية لم تكن أقل وحشية من سيطرة «القذافي» على السلطة. بينما تعاني البلاد منذ سنوات من الحرب والفقر.
سوريا بالتأكيد هي حالة مختلفة. لا يمكن القول إن «الأسد» نجح في فرض النظام من خلال الإرهاب في سوريا. ولكنه حكم بالرعب دون أن ينجح في فرض النظام. ومع ذلك، فإنه من المفيد النظر في ما قد يتبع الضربات الجوية. هناك 3احتمالات لهذا السيناريو، الأول هو أن «الأسد»، الذي ستصيبه الصدمة بفعل الأزمات، سوف يوقف الحرب. الثاني أنه قد يستغل هذه الغارات الجوية كمبرر لمواصلة الحرب. أما الثالث فهو أن الضربات الجوية سوف تكون فعالة بما يكفي لتتسبب في انهيار النظام.
تبدو النتيجة الأولى غير محتملة. «الأسد» يقاتل من أجل حياته، وحياته تعتمد على ثقة الجيش في وعوده بتحقيق النصر. يعرف الجيش أنه إذا ما تم كسر قوته، فإن الجنود سوف يتم ذبحهم من قبل أعدائهم. تولد هذه المخاوف إرادة متجددة للجيش والنظام لأجل الاستمرار. بمجرد أن يقدم «الأسد» التنازلات فسوف تبدأ متوالية الهزائم. يبدو «الأسد» في حالة لا توجد فيها أرضية مشتركة بين الحرب التي لا ترحم وبين الهزيمة الكارثية. قد ينهار النظام والجيش، لكنهم لن يسمحوا لأنفسهم بالظهور بمظهر الضعف.
فكرة توجيه ضربة جوية تجبر «الأسد» على احترام اتفاقات وقف إطلاق النار هي فكرة تفشل في فهم الوضع الخاص بـ«الأسد». ولذلك، فإن الخيار الوحيد هو استخدام القوة الجوية لكسر النظام. على افتراض أن ذلك من الممكن، فإن السؤال سوف يدور حول عما إذا كانت هذه الفكرة جيدة من الأساس.
في بداية الحرب الأهلية، كانت هذه الفكرة مناسبة بشكل كبير. الآن، هناك العديد من المتنافسين على السلطة وعلى رأسهم «الدولة الإسلامية». «الدولة الإسلامية» تتخلى عن الأرض الآن وربما يكون ذلك بهدف الحفاظ على قواتها من أجل حشد هجوم استراتيجي مضاد. وحتى لو كانت هذه الفكرة خاطئة، فإنه لا يوجد بعد دليل على أن «الدولة الإسلامية» في طريقها للهزيمة.
تواجه الولايات المتحدة وضعا في سوريا مشابها لذلك الوضع الذي واجهته في العراق. هناك قوة شيعية وقوة سنية، وكلاهما معاد للولايات المتحدة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تحارب كلا القوتين في وقت واحد. وكانت الخطة تكمن في محاولة التوصل إلى تفاهم سياسي مع زعماء السنة واستخدام ذلك لفرض هدنة على الميليشيات الشيعية. ولكن محاربة كلا الجانبين في وقت واحد هو أمر مستحيل من الناحية الاستراتيجية نظرا لحجم القوة التي يتطلبها.
في سوريا، تواجه الولايات المتحدة كلا من نظام «الأسد» و«الدولة الإسلامية» وكلاهما معاد لها بطريقة ما. هناك مجموعة مختلطة من جماعات المعارضة، من مختلف المذاهب والقدرات. كل من الروس والأتراك يلعبون لعبتهم الخاصة. إذا تم تدمير نظام «الأسد»، فمن الذي سوف يملأ الفراغ. هذا هو السؤال الذي يتعين إجابته.
باستثناء إذا ما كانت الولايات المتحدة تسعى إلى قتال «الدولة الإسلامية» في ذات الوقت الذي تحاول فيه إعادة تنظيم فوضى مقاتلي المعارضة وإدارة سوريا بنفسها، فإن على الولايات المتحدة أن تتجنب انهيار النظام. هؤلاء المنشقون من مسؤولي وزارة الخارجية لا يطلبون ضربات جوية لتدمير النظام ولكن لمجرد إجباره على الموافقة على الهدنة. وأود أن نفترض أنهم يفهمون الفوضى المحتملة التي ستنجم، لكن الضربات الجوية ليست أسلحة جراحية كما يراها البعض ولا يمكن التنبؤ بدقة بنتائجها.
عبر تخفيض الحرب السورية إلى لعبة من لاعبين يكون لدينا «الأسد» في ناحية و«الدولة الإسلامية» على الناحية الأخرى. الذهاب إلى الحرب مع كلا الطرفين في نفس الوقت يمكن أن يؤدي على عواقب وخيمة. الذهاب إلى الحرب بالتتابع هو أمر أكثر منطقية وينبغي عليك ساعتها أن تدمر القوة الأكثر خطورة أولا. ساعتها يمكن للقوة الأخرى أن تستسلم من تلقاء نفسها أو على الأقل فإنه سيكون من السهل ضبط إيقاعها. السيطرة على وتيرة الحرب أمر ضروري، لأنها تسمح لك بنشر قواتك بحكمة. شن هجمات جوية على «الأسد» الآن يمكن أيضا يمكنه أن ينشئ وتيرة تتسبب في هزيمة الولايات المتحدة.
المثال الأعظم على القتال المتسلسل هو قرار «فرانكلين روزفلت» بالتحالف مع «ستالين». عرف «روزفلت» أن «هتلر» و«ستالين» كانا على نفس القدر من الوحشية. ولكنه كان يعي أيضا أنه إذا ذهب إلى حرب كل منهما في نفس الوقت فإنه من المرجح أنه سوف يخسر. وكان من الواضح أيضا أنه وعى أن السماح لـ«ستالين» بمواصلة القتال سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى نصر أقل تكلفة بالنسبة إلى الولايات المتحدة. اختار «روزفلت» أن يتحالف مع وحش من أجل هزيمة وحش آخر يعادله أخلاقيا ولكنه كان أكثر خطورة.
قد يتسبب هذا في بعض الارتداد. ولكن «الأسد» مهما كان فإنه لن يكون مثل «ستالين». ليست هناك حاجة للتحالف مع «الأسد». ورغم ذلك فإنه تدميره في هذا الوقت سوف يكون سابقا لأوانه. عند هذه النقطة، فإن مرحلة ما بعد «الأسد» في سوريا سوف تؤدي إلى نتائج أسوأ من تركه. إذا كنت تشك في ذلك، فإن يكفي النظر إلى نتائج سقوط «القذافي» و«صدام حسين».
الأشخاص الذين لا يضعون في الاعتبار الوضع الاستراتيجي الأوسع قد يفضلون الضربات الجوية ضد «نظام الأسد» لدوافع أخلاقية. ولكن عندما ننظر إلى الوضع الاستراتيجي، فإن هناك العديد من الضرورات الأخلاقية التي لا يمكن التعامل معها في وقت واحد. يجب أن نأخذ في الاعتبار مثال نهج «روزفلت – ستالين». على الأولويات أن تأتي أولا، والآن فإن «الدولة الإسلامية» تبدو أكثر خطورة من «نظام الأسد»
جورج فريدمان- جيوبوليتيكال فيوتشرز: ترجمة فتحي التريكي- الخليج الجديد