تعيش السياسية التركية في اليومين الماضيين صراع التناقض على مستوى التصريحات, فبعد التصريحات المفاجئة التي أطلقها رئيس الوزراء التركي “بن علي يلدرم”, التي أعرب فيها عن رغبته بإعادة التقارب مع دول الجوار الإقليمية بما فيها “سوريا”, وأن مصلحة تركيا كدولة تكمن في تقليص مصادر التوتر مع دول الجوار كخطوة سياسية جديدة على الصعيد الخارجي.
أثار هذا الموقف المفاجئ موجة من التساؤلات والتحليلات, في الصحف العربية والأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي, وكان السؤال الأبرز, هل تصريحات “يلدرم” تعبر عن وجهة نظر الحكومة التركية الحالية, ومن خلفها “حزب العدالة والتنمية” الحاكم, أم أنها تعبر عن وجهة نظر لفريق ضمن الحكومة يقوده “يلدرم” من شأنه التغريد خارج سرب حكومة “العدالة والتنمية” ؟!
بل ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك, بقولهم إن الحزب الحاكم يعيش حالة من الصراع والانقسام, إزاء إعادة هيكلة البنية السياسية الجديدة ورسم ملامح الخطة الخارجية المستقبلية, استجابة للمصالح العليا للدولة التركية ونزولا عند بعض الضغوطات الخارجية, وأن حادثة التصريحات هذه, تعتبر هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية في آذار في العام 2011 م, وقد تكون البداية لإحداث شرخ عميق وخلاف كبير ضمن البيت الواحد للحزب الحاكم.
وعقب تصريحات “بن علي يلدرم” أطل نائب رئيس حزب العدالة والتنمية “ياسين أكتاي” أمس الأربعاء ليؤكد أن هناك عائقا كبيرا يحول أمام تطبيع العلاقات التركية مع سورية في ظل وجود “الأسد” في أعلى هرم السلطة الحاكمة في سورية.
وشدد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية ياسين أكتاي في تصريح له الأربعاء، أن بقاء بشار الأسد في الحكم “يشكل عائقا أمام تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا”, مشيرا إلى أن رئيس الوزراء “يلدريم” صحح أقواله التي أدلى بها خلال اجتماع رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية، بالتأكيد على أنه “لا يقصد تطبيع العلاقات مع سوريا بوجود الأسد”.
وقد أعرب كثير من المحللين السوريين المناصرين للثورة السورية عن استغرابهم من التغيرات الملاحظة على الموقف التركي من دعم الثورة السورية ولا سيما التصريحات التي كانت توصف بالنارية التي كانت تصدر يوميا من “أنقرة” وأصبحت اليوم من الماضي, كالتشديد على ضرورة إحالة رموز النظام الحاكم في سورية إلى المحكم الدولية بصفتهم مجرمي حرب وغيرها الكثير من التصريحات الإعلامية على لسان كبار المسؤولين في الحكومة التركية, فقد استقبل السوريون الموقف التركي الجديد بخيبة أمل وحيرة خصوصا بعد الاتفاق مع روسيا, رغم مهاجمة “الأسد” على “أردوغان” في خطابه الأخير.
وبالعودة إلى موضوع التخبط والتناقض في التصريحات التركية, هناك من يرى أن الشرخ الحالي القائم جراء التغيير في النهج السياسي التركي ليس وليد اليوم, وإنما بدأ يطفو على السطح منذ أن استقال “داوود أوغلو” من منصبه الذي كان يشغله, كرئيس للوزراء بعد خلافات أشار إليها مع الرئيس التركي “أردوغان”, الذي تتهمه المعارضة التركية بأنه يريد إقحام البلاد في صراع إقليمي طويل الأمد, قد ينعكس على الداخل التركي ليهدد وحدة البلاد في المستقبل.
ويبقى السؤال :
من يتخذ تلك القرارات في تركية ويعطي الأمر للإدلاء بهكذا تصريحات تحرف البوصلة التركية عن مواقفها السابقة؟!
ومن يتقاسم الأدوار بها حتى أصبحت قضية الشعب السوري هي قضية تجارية سياسية بامتياز؟!
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود