رحّبت موسكو علناً، على لسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، باستقالة كبير مفاوضي الهيئة العليا للمفاوضات محمد علوش.
وقال بوغدانوف عن تلك الاستقالة إنها “ستأتي بنتائج إيجابية” كما ورد في تصريحات له عن القضية التي أثارت الرأي العام منذ الإعلان عنها.
وبدورها احتفلت وسائل الاعلام التابعة لنظام الأسد، بابتعاد تلك الشخصية عن الواجهة، وتعاملت مع الأمر بصفته “نصراً” سياسياً.
ويأتي الترحيب الروسي المعلن، باستقالة كبير المفاوضين السوريين، بعد تصريحات مباشرة قالت فيها موسكو أكثر من مرة إنها تسعى، دولياً، لعزل الفصيل الذي يمثله علوش، وفشلت في ذلك.
باعتبار أن فصيل علوش على الأرض يمثل طيفا واسعا من المعارضة السورية التي تقاتل نظام الأسد.
ترتيب البيت الداخلي
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية في عددها الصادر اليوم الأربعاء، أن الهيئة العليا للمفاوضات، بدأت “مباحثات لإعادة ترتيب بيتها الداخلي”.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن البحث قد يشمل “توسيع دائرة الممثلين” عبر إمكانية الاشتراك مع “منصتي موسكو والقاهرة”.
وأشارت الصحيفة الى “انتقادات” معينة وجهت الى رئيس الوفد السوري المعارض الى جنيف “بسبب شخصيته العسكرية غير الديبلوماسية” وأن هذا أثّر على “علاقات الهيئة مع الجهات الدولية”.
وأتت استقالة علوش، في وقت عبّرت فيه قوى معارضة سورية مختلفة، من الائتلاف الى الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض، عن ضرورة الانفتاح أكثر على أطياف سياسية مختلفة، وفتح نقاشات تفضي الى مزيد من التنسيق والتمثيل تحت عنوان أساسي وهو عدم وجود الأسد في أي مرحلة انتقالية.
ويسأل متابعون، إذا ما كانت استقالة علوش “تنازلاً” من طرف الهيئة العليا للتفاوض، وما يمكن أن يحققه من “تنازل” مقابل من الطرف الروسي أو من طرف نظام الأسد.
استقالة بسبب الخيبة لا بسبب ضغوط
فللوهلة الأولى، بدت استقالة علوش نوعاً من التراجع أمام الضغط الروسي، وبعض الأطراف الدولية. لكن ثمة ما يلوح في الأفق عن “مرونة” وتكتيك تفاوضي سوري، أكثر مما يتم الإعلان عنه الآن من أنه “تراجع” أو “تنازل”.
وهو الأمر الذي أكده رياض نعسان آغا، المتحدث الرسمي باسم الهيئة السورية العليا للمفاوضات، مؤكداً أنه ومنذ تشكيل الوفد التفاوضي “كان هناك اتفاق بإمكانية تغيير رئيسه وكبير المفاوضين فيه وفقا للظروف” مشيرا الى أن كبير المفاوضين سبق له التقدم باستقالته منذ نحو شهرين “لكننا طلبنا منه التمهّل”.
على حد قول المتحدث الذي أكد أن استقالة علوش لم تكن نتيجة ضغط دولي بل “نتيجة شعوره بالخيبة من المفاوضات واحتجاجا على موقف المجتمع الدولي حيال القضية السورية”.
الساعات الأخيرة التي شهدت تداعيات استقالة كبير المفاوضين السوريين، شهدت أيضاً تصميم الوفد السوري المعارض على تحقيق أهدافه العليا التي يطرحها في كل المحافل الدولية، وهي أن لا يكون للأسد أي دور في المرحلة الانتقالية، وذلك في تصريح للمتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا يقول فيه “سنتواصل مع من تنسجم آراؤنا معهم من منصة موسكو، وتحديدا في ما يتعلق بمصير رئيس النظام بشار الأسد”.
نقلة الحصان التي ستحبط بشار الأسد
هذه المواقف التي تلت استقالة كبير المفاوضين، تؤكد أن الهيئة السورية العليا للمفاوضات، باتجاه توسيع دائرة التمثيل السياسي، لضمان أكبر قدر من التنسيق ما بين كافة القوى السياسية السورية المعارضة، كما إن “ترتيب البيت الداخلي” قد يفضي الى مزيد من التفاهم والانسجام مع موسكو، لطالما ادعت الأخيرة أنها لا تدافع عن “شخص الأسد” بل عن مؤسسات الدولة السورية. كما يرد في تصريحات مختلفة للمسؤولين الروس وعلى رأسهم بوتين ووزير خارجيته. وخصوصا في الوقت الذي يبدو فيه الأميركيون أنهم قد نسّقوا بعض الخطوات في سوريا مع الروس، وتوسع نسبة التفاهم بين البلدين.
ما يجعل من استقالة علوش حركة ظاهرية بالتراجع خطوة، إنما التراجع الذي يمثله الحصان الشطرنجي، الذي يعود الى الخلف ليعود ويحلّ في مربّع ثانٍ أكثر أهمية على المستوى الاستراتيجي.
كل هذا يشير، برأي مراقبين، إلى أن الوفد السوري المفاوض الى جنيف، سيزداد، عبر ترتيباته الداخلية، قوة وتأثيراً، وأن النظام السوري لن يكون بحال من الأحوال راضياً عن هذه الترتيبات، لأنها ستضعه في الزاوية وتحكم الطوق عليه، وتزيد من عزلته إذا ما اقترب المفاوض السوري من الروس، بعد سحب الذرائع التي كانت تتعلق بها موسكو كثيرا.
العربية نت