ليس ثمة تكتل وتجمع عربي يمارس اللعب بالأعصاب وتمضية الوقت والتسلّي بقضاياه كما هو المقهى العربي الشهير المسمى «جامعة الدول العربية»، وللحق، فأحاديث المقهى تنتهي عند المشروب الحاضر بين اليدين أو إغلاق المقهى لتجاوز الساعة المحددة للبقاء في حديث أشبه بالهرولة، وتعذر البقاء تحت مشاريع خدمية مدفوعة الثمن. الجامعة العربية لم تعمل على تغيّر جلدها ولو في مثل هذه الظروف القاسية جداً، وحلب شاهد مخزٍ على النزيف العربي المستمر والقاهر. لم تفعل الجامعة أي حراك مستفز، لم تستبدل اسمها مثلاً حتى ولو كان اسماً مطابقاً لواقعها التنظيري، أو تفصح عن أنها متورطة في دوائر ومربعات تكوينها أو أهدافها، أو تصرخ أنها في حرج كبير ورغبة حقيقية في الاعتراف بأنها وبصراحة تامة تساوي قيمة الصفر على يسار رقم.
أي من هذه السيناريوات يجعلنا ننشغل قليلاً ونضحك كثيراً، لا سيما أن العرب لسنوات طويلة يمضون ساعات يومهم ما بين انشغال بالمماحكات والخجل من «الأنيميا» الحادة في المبادئ، في مقابل أننا أصبحنا أفضل البلدان في احتضان المآسي وتصفية البعض والتحول إلى أدوات وألعاب يفعل بها الأعداء ما يريدون، فيما هم على منصة الفرجة ومعاينة الأحداث.
ولكي لا نقسو على جامعتنا العربية، فمن الإنصاف أن نتحدث عن شيء من أبرز إيجابياتها، فالجامعة أفضل جامعة في العالم تصدر البيانات التي لا يتجاوز تأثيرها حيز الحبر المسكوب، وهي ذاتها التي يجتمع أعضاؤها سريعاً لتقديم الشجب والاستنكار والغضب الموقت على أي طعن في الظهر أو لطمٍ في الوجه. هي أفضل جامعة تتفرج على مسرحها من دون أن تتدخل حتى في ما يعرض على المسرح، حيث تؤدي دور «الكومبارس» إذا غلبت الروم، وتهيئ كل المتطلبات المساعدة في إنجاح عمل الممثلين، وهو فعل عصي على الاستيعاب والبلع.
جامعة الدول العربية – ويا للخيبة – جامعة لإحياء مستميت لكلمة «انعقاد» وإماتة ما يأتي، هذه الكلمة وما قبلها من لوازم التجمع والعلاج ومصافحة الضمير الحي وإعلان شجاعة نسمع جعجعتها ولا نرى طحينها، ولأن كثيراً مما مضى لم ولن يحدث، خصوصاً على صعيد الفعل المستفز أو المحفز، فنحن في أمسّ الحاجة الآن إلى تأبين هذه الجامعة وعلى غير عادتنا كعرب في تأبين الأحياء، لكن لنبادر إلى تأبين جبري للأحياء الذين هم في عداد الأموات، ونمارس إضاعة الوقت في مراسم التأبين المخجلة، ومن ثم نغلق الجامعة العربية فوراً فلا حاجة إليها مطلقاً.
الحياة – علي القاسمي