كان على وشك أن يغفو على كرسيه وهو ينتظر أن تستدعيه الممرضة للدخول إلى غرفة الطبيب، إلا أن صوت الممرضة وهي تطلب منه أن يدفع أجرة “كشفية” الطبيب قبل دخوله، وهنا كانت الصدمة لأبي خالد ( 80 عاما) عندما سمع أن الأجرة قد أصبحت 1500 ليرة سورية
أبو خالد يعاني من آلام قوية في المفاصل، الأمر الذي صعّب عليه ممارسته لمهنته، معلم وخريج جامعي لكنه انقطع عن مزاولة مهنته لآلام شديدة في المفاصل وخاصة غضاريف الركبة ما جعل وقوفه أما طلابه لساعات طويلة على السبورة شرحا وتطبيقا أمرا عسيرا ، فاللغة العربية عقدة طلاب الثالث الثانوي بفرعيه العلمي والدبي، ولا يمكن له الجلوس والشرح من كرسييه
ترك التعليم واستأجر دكانا يبيع فيه القرطاسية وذلك عام 2011، وطوال سنوات الحرب الماضية كان يعيش” على المسكنات وماشي الحال حبتين بروفين وربي يسر” لكن ما غاب عنه أن خلال هذه السنوات ارتفعت أجرة الطبيب من 500 إلى 700 ليرة سورية، إلا أن تدهور الأوضاع خلال سنوات الحرب الخمسة أدى أيضا إلى ارتفاع أجرة الأطباء لتصل إلى 1000 ليرة ثم أخذت بالتحليق وكأنها مع تحرير إدلب تحررت الأجور من كل قيد أو رقابة أو ضمير أو شعور إنساني
دخل أبو عمر غرفة الطبيب المختص وهو يضغط على نفسه ليخفي غضبه، فهو يعلم بأن نقابة الأطباء تنوي رفع الحد الأدنى “للكشفية” إلى 1500 ليرة سورية، لكن الذي صدمه أنه قد تم رفع الأجور مسبقا قبل أن يتم إصدار ذلك بشكل رسمي، فقد صرح عبد القادر حسن نقيب الأطباء في سوريا، أن النقابة ستقوم برفع أجور الأطباء خلال الأيام المقبلة، حيث ستصبح “كشفية” الأطباء المختصين الذين لا تقل خبرتهم عن عشر سنوات 1500 ليرة سورية، ومن تقل خبرتهم عن هذا الحد ستصبح ألف ليرة سورية وهذا كله ضمن الأرقام المصرح بها لكنك عند زيارتك لي طبيب اختصاصي سترى الأمور على غير ما يسرك وقد تصل الأجور لأضعاف ما نص عليه القانون الجديد
وكان هذا الإجراء كما أوضح عبد القادر حسن من أجل محاسبة الذين يخالفون التسعيرة، خاصة أن عددا من الأطباء أصبحوا لا يتقيدون بالتسعيرة المفروضة من قبل النقابة، حيث إن رفع الكشفية جاء بالتزامن مع إحصاء عدد الأطباء السوريين الذين غادروا البلاد خلال الحرب، فقد بلغ عددهم سبعة آلاف طبيب سوري من أصل 33 ألف طبيب مسجلين في نقابة الأطباء بنسبة 20%، عدا عن عدد الأطباء الذين تركوا العمل عند النظام واتجهوا للعمل في المناطق المحررة
حاول طبيب أبي خالد شرح الأسباب التي دفعتهم لزيادة الأجور، وكيف أنهم غير راضين عن رفع الأجور إلا أنهم مجبرين على ذلك بسبب ارتفاع الضرائب المفروضة من قبل النقابة، وبسبب ارتفاع الدولار المستمر والذي أدى بسببه لتدهور الليرة السورية أدى إلى ارتفاع أسعار الأجهزة المستخدمة للتشخيص والمعالجة مترافقة بارتفاع أسعار المواد الطبية اللازمة، عدا عن انقطاع الكهرباء الدائم والذي بدوره دفعهم لاستخدام المولدات لتعويض الكهرباء والتي تتطلب الوقود ذو السعر المرتفع أيضا عدا عن ارتفاع تكلفتها وصيانتها
لكن كل تلك الأسباب لم تهدئ أبو خالد الذي زاد غضبه أضعافا عندما طلب منه الطبيب أن يقوم بالتصوير الاشعاعي الذي يكلف حوالي 15000 ليرة سورية وذلك بسبب ضرر بالغ في أحد الغضاريف، ما أثقل كاهله وجعله يرفض التصوير لعدم امتلاكه هذا المبلغ واقتصار الحل لديه على الأدوية المسكنة فقط
المركز الصحفي السوري – يارا زيتون