“تضخم الذات” هل هو مرض أصاب المجتمعات العربية؟

 

“تضخم الذات” لن يجد المرء صعوبة في تمييز هذا المرض، ومن نافلة القول أن تلك العاهة لا تكاد تفارق الجسد العربي، والعربي حصرا، مثل هذا القول ليس تعميما؛ فنحن ندرك أن هناك مجتمعات غير عربية يتكاثر فيها ذلك الوباء؛ لكنه في الجسد العربي يتنامى بشكل أكبر؛ بل إنه يمتلك سيرورة تاريخية متصلة.

 

وما دمنا نتحدث عن التاريخ فلا بد من البحث عن جذور تلك الظاهرة: إن مثل تلك الحالة لن نجد أسبابها في الحاضر، وعلينا أن نتذكر أن المستبد السياسي أو غيره الذي ظهر في صورة الحاكم هو ابن بيئته، فالنسق الثقافي يفعل فعله في تلك النفوس وهل يمكن أن نتجاهل قول عمر بن كلثوم:

إذا بلغ الفطامَ لنا صبيٌّ تخرّ له الجبابرُ ساجدينا

هنا التضخم يخص الـ(نحن) ولكن هذه النحن التغلبية تتوحّد مع الأنا، لأن الفرد والقبيلة في ذلك الوقت كانا متحدين، ثم تأتي الـ(أنا) للشعراء المتضخمة وهي كثيرة، فمعظم الشعراء العرب يظن نفسه فوق الآخرين فالمتنبي يقول:

أنا في أمة تداركها اللــــ ــه غريب كصالح في ثمود

وليس بعيدا عن ذلك الشاعر المعاصر من نزار قباني إلى أدونيس، فالأنا المتضخمة هي هي عند الجميع، ونحن عندما نشاهد الاستبداد في صورته السياسية (القذافي، صدام حسين، الأسد الأب) علينا أن نبحث في جذور التربية لدى هؤلاء خاصة وأن تعليمهم لم يكن يتجاوز المرحلة الثانوية، لكن ذلك لا يعني أن العرب الذين نالوا تعليما عاليا بعيدون عن الاستبداد بالرأي، فقد يساهم التعليم في التقليص من تلك الأنا، لكن لا يمكن أن تزول تلك الأنا، ولعل السبب هوهو، أي أن التربية التي نالها السياسي هي نفسها التربية التي خضع لها الأكاديمي، وهي ذاتها التي خضع لها الناس العاديون.

 

وبالتالي فإن صورة الاستبداد لن تمحى بسهولة من ذهنية العرب، لأن المواطن العادي يمارس القهر ضد زوجته أو أولاده لكنه هو نفسه مقموع من رجل الأمن، لذلك فإننا نعيش في تراتبية، إذن نعيش حالة إشكالية بائسة، ومن يدفع الثمن في النهاية، بلا شك فإن الطرف الأضعف هو من يدفع ثمن القمع ( الطفل، المرأة، الإنسان الأضعف) لكن هؤلاء إن قمعوا فلا بد أن تنعكس أمراضهم النفسية على مجتمعاتهم، وبالتالي فإن الخاسر الوحيد هو المجتمع وهذا الفشل المجتمعي هو صورة مصغرة عن الفشل الوطني..

 

إننا في حالة ثبات وسكونية فلم نتقدم ولن نتقدم ما لم نتعلم الحوار ونتعلم الاستماع إلى الآخرين، فالآخر هو مختلف وليس شبيها ونحن لا نتعلم من أنفسنا بل نتعلم من الآخرين، وأول خطوة في ذلك الطريق الشاق هو أن نتعلم أن نستمع.. فالقول الكثير لا يأتي إلا على حساب العمل، وهذا ما أكد عليه (رسول حمزاتوف) بقوله: يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام، ويحتاج ستين سنة ليتعلم الصمت.

 

هكذا نحن نستمع إلى الآخرين سواء أكان هذا الآخر يشكل ندا أو عدوا أو تلميذا كل هؤلاء يقدم لنا الفائدة لكن بشرط أن نستمع إليهم، وفي ذلك الاستماع نكون قد قلصنا من هذه السوبرمانية، والاعتداد بالأنا.

 

مجلة الحدث – د.كريم الربيعي

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist