د . محمد مرعي
حل مفهوم القيادي الإداري محل المدير منذ عشرات السنين فقط وذلك لإضفاء مفهوم جديد في الإدارة يجمع بين رباعية ( المعرفة + نمط الشخصية + العلوم المتعددة + الممارسة ) . وهذه الرباعية لم يتم أخذها سابقا بالاعتبار حين كان سائدا مفهوم المدير الذي يتولّى مركزا وظيفيا تحكم سير عمله القوانين والأنظمة والإجراءات وينحصر دوره في تنفيذ العمل وفقها .
عندما ابتكر علماء الإدارة مفهوم القيادي الإداري جرى نقاش كبير حول مواصفاته كونه يقود مؤسسات ومنظمات بقدراته وشخصيته المتميزة وأهدافه أكثر مما تفرضه القوانين وتوابعها ، واختصر علماء الادارة مواصفات ذلك القيادي بالرباعية ( المعرفة العلمية التخصصية في مجال الادارة ، امتلاك الشخصية القيادية بالفطرة والمكتسبة بالتجارب الناجحة ، ودراسة العلوم المتعددة المرتبطة بعلم الادارة التي تمنح القيادي وجهات نظر متنوعة، والممارسة التطبيقية والعملية في ميدان العمل الفعلي التي صقلت معارفه وخبراته وتجاربه ) . وهذه الرباعية أساسية لأي شخص يتم اختياره في وظائف القيادة الإدارية لتحقيق الأهداف المحددة والنتائج المأمولة .
في الدول المتقدمة والناشئة ، تم احداث معاهد عليا ومدارس للإدارة لتصنيع القيادات الإدارية حيث تقدّم تلك المؤسسات التعليمية والتدريبية برامج حقيقية لعدة سنوات تصنع قادة اداريين سينجحون لاحقا في أي موقع إداري يتولونه .
أما في الدول المتخلفة والمخلّفة ،فإن تلك المعاهد العليا والمدارس الإدارية ( إن وجدت )، فهي تؤهل قيادات إدارية للهجرة إلى الدول الأخرى حين يضعهم مسؤولو تلك الدول أمام خيارين : إما العمل دون صوت أو نظر في ظل عالم الفساد والجريمة أو الهجرة من الوطن ، لذلك بقيت وستبقى تلك الدول في حالة تخلف مستدام وتستمر الدول المتقدمة في حالة تطور .
في الحالة السورية ، منذ عام 1963 وبشكل ممنهج ومتعمد بعد 1970 ، عملت السلطة على قتل روح القيادة الإدارية لدى أبناء الشعب السوري لأن هناك قائدا أوحدا لا غير ، وأفسدت كافة المؤسسات التعليمية التي تصنع القيادات الادارية أو حاربت إدارتها حين تتجاوز الخطوط ، كي تستمر في عملها وفق المخطط المرسوم : لا قيادات ادارية بل قائدا أوحدا في سوريا والأخرون مديرون منفذون فقط ، تاركة الباب مفتوحا للهجرة والتغرّب لكل من يريد أن يبدع وينجح ويبني لكن خارج الوطن السوري حصرا .
عندما اندلعت ثورة الشعب السوري ، كان أحد مطالب الثوار بناء دولة وقيادات إدارية حقيقية لقيادة الثورة وبلوغ أهدافها كون تلك الثورة انطلقت عفوية وشعبية ولم تكن مسبقة التنظيم والإعداد والبناء التنظيمي والإداري ، وبينما كان الثوار منشغلون في توسيع مدى ثورة الشعب أفقيا ونشرها على كافة بقع الأرض السورية ، انتهز حفنة من المرتزقة واللصوص الفراغ التنظيمي في واقع الثورة وقدّموا مغريات الولاء للقوى الداعمة للثورة بغية تحقيق مطالبهم بتنصيبهم قيادات إدارية على قوى الثورة الحقيقية في الداخل ، دون امتلاك أي من مرتكزات الرباعية المذكورة كمواصفات للقيادة الإدارية ، وشكّلوا تحالفات وعلاقات خارجية تدين بالولاء والعمالة لمن يدفع لهم لقاء تثبيت وجودهم ودعمهم وتعزيز استمرارهم في واجهة ثورة الشعب السوري . وأثبت هؤلاء أنهم ليسوا قيادات إدارية بل مرتزقة لأن القادة يتحالفون مع بعضهم ومع غيرهم لتحقيق أهداف ثورة الشعب ووقوفهم ضد عدوه ،بينما ثبت للجميع أن تحالفاتهم كانت وستبقى ضد الشعب الثائر وهم مختلفون ضد عدوهم الافتراضي .
لقد أهدر من يدّعي ثورة الشعب السوري فرصة ذهبية لإعداد قيادات إدارية كفوءة وفعالة للثورة حين رفضوا بشكل مطلق ومتعمّد مشروع متكامل لإحداث مركز إعداد القيادات الإدارية حين عرضه عليهم مع إجابتهم المتخلفة :أنهم أفضل قادة إداريين على مستوى العالم ، مكررين تجربة سلطة آل الأسد التي رفضت إحداث ذلك المركز التمّيزي طيلة عهد حافظ الأب ووريث الحكم بشار عام 2002 لإبقاء سوريا خالية من القيادات الإدارية الفعالة الكفوءة ..
هكذا ، يكمن السبب الرئيس في تعثر نجاح ثورة الشعب السوري في أنماط شخصيات القيادات الإدارية التي فرضت عليها وممارساتهم الفاشلة ، إذ تم تصنيعهم في معامل خردة في ملحقات الدول الكبرى والإقليمية المستفيدة من ديمومة مأساة الشعب السوري . وهؤلاء الذين سموا أنفسهم برعاية وبحماية أسيادهم في الخارج قادة الثورة الشعبية لا يمتلكون أيا من مرتكزات مواصفات القيادة الإدارية الفعالة ( المعرفة العلمية والتخصصية + نمط الشخصية القيادية + العلوم المرتبطة بعلوم إدارة المؤسسات + الممارسات التطبيقية الناجحة ) إذ كانوا طيلة حياتهم إما أشخاص يتسكعون على أرصفة شوارع الدول الخارجية أو اتباع أحزاب وتنظيمات تدميرية تعيش أساطير القرون الوسطى أو من مدعي النضال السياسي النفاقي سابقا أو من أذناب ومخبري سلطة آل الأسد ) . لذلك تعثر نجاح تلك الثورة الباهرة وستبقى تتعثر طالما بقي هكذا أشخاص مفروضون على إدارتها .