تنوعت المشاكل والأزمات وكثرت المعاناة في سوريا بعد خمس سنوات من الحرب أنهكت الكبير والصغير، وكثير من المشكلات أخذت فيها اتجاها آخر؛ فأكبر فئة قد تضررت من هذه الحرب هي فئة الأطفال: قتل وتشريد ويُتم وجوع وحصار..، لم تتوقف مآسيهم هنا بل اتسعت لتسرق أحلام طفولتهم الصغيرة، “حلمي ارجع ع المدرسة واتعلم متل رفيقاتي” تقول الصغيرة “روعة” التي كان حالها كحال الآلاف من الأطفال الذين حرمتهم الحرب من حقهم بالتعلم وكانت من بين الكثيرين الذين تسربوا من مدارسهم.
أسباب كثيرة قد تدفع الأطفال هنا في سوريا للتسرب من مدارسهم، فغياب الأهل ويُتم الطفل وعدم تواجد من يهتم بأمره سيضطره للعيش حالة شتات وضياع، حالات عدة من الأطفال لم يحضروا صفوف الدراسة لعدم تواجد الأوراق المدرسية اللازمة لتسجيل الطفل في المدرسة، فغياب الوالدين عن إحضارها جعله عرضة للانقطاع عن الفصول الدراسية لهذا العام، وإصرار بعض المدراء الذين مازالوا يتبعون النظام في كثير من المدارس على إحضار الأوراق الرسمية، ” يا الله… رفقاتي خلصوا مدرستن وأنا ما داومت كتير بالمدرسة.. يا ترى شو خلّصو دوام بالمدرسة ” تردف “إسلام” طفلة نازحة من أريحا ضاعت أوراقها بسبب تنقلها مع أهلها المستمر في ريف إدلب، وكلنا يعرف سبب هذا التنقل.. ومرارته.
وتلحق بغياب الأهل مشكلة أخرى، هي عدم تواجد المعيل لكثير من الأطفال ما يجعلهم يغيرون أولويات حياتهم؛ من طموح بالدراسة والتعلم الى عمالة تقلص أحلامهم الكبيرة وتنحصر بتأمين متطلبات العيش البسيطة ليس أكثر، يخرج الطفل منذ الصباح الباكر ليبيع بعض الحليب على عربة صغيره يدفعها أمامه وآخر يبيع الكعك بينما يذهب أطفال العالم الذين بمثل عمرهم الى المدرسة.. “منذر” طفل في العاشرة يعمل بائع بنزين:” كل يوم ابعدّي من قدام المدرسة وبشوف الولاد وهنن رايحين ع المدرسة بحب ارجعلها بس الشغل أهم.. ما عنا حدا، أمي ابتعتمد عليّي وهي كمان عم تشتغل.. شو فرقي عنها؟”.
قد تترافق هذه الأسباب مع عدم الاهتمام بالطفل من الجهات الرسمية ومحاولة كفالة الأطفال الخارجين عن المدرسة بسبب عملهم وتأمين بدائل لهم، وإيجاد حلول لهم للحيلولة من ارتفاع نسبة الأطفال غير المتعلمين – الأميين، فتعتبر ظاهرة تسرب الأطفال القسري من المدارس إحدى الظواهر التي تؤثر بشكل أو بآخر على نفسية الطفل غير المتعلم وتنشئ نوعا من التمايز الاجتماعي والمعرفي ضمن مجتمع الأقران، ما يؤدي لاحقا لشعور الطفل بالدونية.
الآثار المترتبة على هذه الظاهرة ستظهر جلية في المدى البعيد وتأثيرها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي للبلد؛ فالأطفال هم الفئة العمرية الأكبر من مكونات المجتمع السوري، ولأنهم النسبة الأكبر لا بدّ من الاهتمام بالمستوى التعليمي؛ لأنهم فيما بعد هم من سيرفعون المستوى العلمي والاقتصادي للبلد.
المركز الصحفي السوري – آية رضوان