واشنطن: قبل شهرين، شهد العالم مصافحة تاريخية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، واتفقا بعبارات غامضة على نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، لكن دون اتخاذ تدابير محددة أو جدول زمني محدد. فماذا حدث منذ ذلك الحين؟
بالنسبة للرئيس الأمريكي، المسألة واضحة. فهو لم يمل أبدا من الإشادة بقمته مع زعيم كوريا الشمالية على أنها نجاح: فقد انتهى التهديد النووي لكوريا الشمالية. وهناك تقدم كبير.
لكن بعد مرور شهرين على اجتماعهما 12 حزيران/ يونيو في سنغافورة، لم يكن الوضع إيجابيا بأي حال من الأحوال كما يصورها ترامب . فالانفراجة الكبيرة بشأن مسألة تفكيك برنامج بيونغ يانغ النووي لم تتجسد على أرض الواقع حتى الآن. وكان التقدم في جهود نزع السلاح بطيئا. والأجواء الحالية في شبه الجزيرة الكورية يمكن أن تتحول إلى الأسوأ، كما يقول مراقبون.
في هذه الأثناء، لا يبدي الجميع في البيت الأبيض تفاؤلا كبيرا بقدر ترامب. واتهم مستشاره للأمن القومي جون بولتون بيونغ يانغ بعدم اتخاذ أي خطوات ملموسة نحو نزع السلاح النووي، وقال إن واشنطن ملتزمة باتفاق القمة، على الرغم من أن كوريا الشمالية لم تفعل شيئا.
وفي قمتهما، وقع ترامب وكيم إعلان نوايا، أعلن بموجبه الزعيم الكوري الشمالي استعداده لنزع السلاح النووي “الشامل”. ولكن لم يتم وضع خطوات محددة.
وبعد القمة، ألغت إدارة ترامب مناورات عسكرية مشتركة كان مخططا لها مع كوريا الجنوبية، في تنازل كبير إلى الجارة الشمال.
يقول ترامب إن حقيقة أن كوريا الشمالية لم تطلق أي صواريخ لشهور حتى الآن هي علامة على النجاح. وجهة نظر تتشارك فيها حكومة كوريا الجنوبية أيضا، حيث يقول المكتب الرئاسي في تقرير صدر قبل بضعة أيام إن ” كوريا الشمالية لم تقم هذا العام بتجربة نووية أو إطلاق صاروخ”.
وجاء في التقرير، الذي يأتي في وقت من المقرر أن يلتقي ممثلون من الكوريتين لإجراء مزيد من المحادثات في بانمونغون غدا الاثنين، أن الشمال “اتخذ الخطوات الأولى لإزالة خطر الحرب على شبه الجزيرة الكورية من جذوره عن طريق تفكيك مرافق التجارب النووية والصاروخية”.
وفي الآونة الأخيرة، أشار خبراء أمريكيون مشيرين إلى صور مراقبة عبر الأقمار الصناعية، إلى أن كوريا الشمالية تقوم بتفكيك أجزاء مهمة من منشأة اختبار محركات الصواريخ في سوهاي.
لكن من ناحية أخرى، لم تسفر الأسابيع التي انقضت منذ اجتماع ترامب كيم عن جدول زمنيً مفصل لنزع السلاح النووي. ويقول سكوت سنايدر وهو خبير في شؤون كوريا الشمالية إن كوريا الشمالية يبدو أنها على ثقة من أن ترامب سيعتبر تفكيك منشآت التجارب النووية والصاروخية خطوات جدية نحو “نزع كامل للسلاح النووي”.
وفي مدونته الخاصة بمجلس العلاقات الخارجية للأبحاث، قال سنايدر إن كيم قد وعد بنزع السلاح النووي ليس فقط إلى ترامب ، ولكن أيضا للرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن. وأشار سنايدر إلى أن الثقة ضرورية، لأن الإجراءات التي اتخذتها كوريا الشمالية تم تنفيذها حتى الآن “دون تحقق خارجي كاف”.
ومن وجهة نظر كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، لا تتعلق المسألة بإزالة الرؤوس الحربية والصواريخ النووية فحسب، بل تتعلق بضرورة منع كوريا الشمالية بشكل دائم من أي أساس رئيسي لإنتاج مواد قادرة على إنتاج المواد النووية.
وقال وزير خارجية كوريا الجنوبية ” كانغ كيونغ وا ” إن “موقفنا هو أنه يجب الحفاظ على عقوبات الأمم المتحدة (على بيونغ يانغ) وتطبيقها بعناية بالغة حتى نرى إجراءات ملموسة نحو نزع كامل للسلاح النووي”.
هل يسعى كيم لكسب الوقت كما يشعر العديد من المراقبين؟ يقول لارس-أندريه ريختر ممثل مؤسسة فريدريش ناومان شتيفتونغ البحثية في سول إن “كوريا الشمالية ربما لم تتوقع أبداً نزع السلاح بشكل أحادي الجانب … وقد تكون كوريا الشمالية تتطلع إلى فترة ما بعد ترامب”. لكن السؤال حينئذ، سيكون ماذا لو أعيد انتخاب ترامب في عام 2020؟
قادة بيونغ يانغ عازمون على تحفيز اقتصاد بلادهم بالتعاون مع الصين ودول أخرى. وتهدف الاستثمارات والتجارة الخارجية إلى محاولة خلق قدر من الرخاء في تلك الدولة المعزولة. ولهذا ، فهي تحتاج إلى التخلص من العقوبات الدولية. وهنا يظهر الدور الصيني.
فمنذ زيارتي كيم للرئيس الصيني شي جين بينج، أصبحت بكين مرة أخرى لاعبا رئيسيا. وقال وزير الخارجية الصينى وانغ يى في أوائل آب/ أغسطس أثناء اجتماعه مع نظيره الكورى الشمالى ري يونغ هو في منتدى آسيان بسنغافورة إن الصداقة التقليدية “تنبعث منها حيوية جديدة”.
وبالنسبة لبكين، فقد تم القضاء على خطر الحرب الفوري وتم توفير الوضع القائم المرغوب فيه. وقال وانغ يى فى تصريحات تعزز موقف بيونغ يانغ بصورة واضحة إن الصين تأمل في أن تبحث الولايات المتحدة “المصالح الامنية المشروعة” لكوريا الشمالية وتلتقى بيونغ يانغ “فى منتصف الطريق”.
لكن الولايات المتحدة تتهم الصين الآن بتخفيف العقوبات سرا: ليست بطريقة رئيسية، لكن مراقبين شاهدوا المزيد من الشاحنات التي تعبر الحدود من الصين إلى كوريا الشمالية. كما تظهر صور الأقمار الصناعية الأمريكية عمليات نقل غير قانونية واضحة للنفط في أعالي البحار.
علاوة على ذلك، فإن استعداد الصين للتعاون مع ترامب قد تضرر جراء تصاعد الحرب التجارية بين البلدين. وعبر شي عن استيائه ولم يعد يثق في ترامب، حيث يواصل زعيم البيت الأبيض تشديد الخناق بفرض رسوم جمركية عقابية أعلى، ما يثير تساؤلا: لماذا يتعين إذن على شي أن يساعد ترامب بشأن كوريا الشمالية؟ وإذا لم يفعل، ماذا يعني ذلك بالنسبة لاستعداد كوريا الشمالية للتعاون مع واشنطن
صحيفة القدس العربي