شهدت تركيا بعد انتصار قوات المعارضة السورية على نظام المخلوع بشار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 تحولًا استراتيجيًّا كبيرًا في سياستها تجاه سوريا. وقد أكد وزير الدفاع يشار غولر ذلك، كاشفًا أن أنقرة تُقدم التدريب والمشورة للجيش السوري الجديد، وتُعزز قدراته الدفاعية . إلا أنه أوضح أنه لا توجد خطط فورية لسحب أكثر من 20 ألف جندي تركي منتشرين في شمال سوريا.
يعكس هذا الوجود المُطوّل والمتزايد هيكليًا استراتيجيةً طويلة الأمد تتجاوز الدعم اللوجستي . فتركيا لا تسعى فقط إلى الحفاظ على أمن حدودها ومحاربة الجماعات الكردية التي تعتبرها إرهابية، بل تسعى أيضًا إلى أن تصبح طرفًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل سوريا. ووفقًا لغولر، لن يُنظر في أي انسحاب إلا بعد تحقيق السلام والاستقرار الشامل والعودة الآمنة للاجئين والقضاء التام على التهديدات في المنطقة.
اللعبة الاستراتيجية التركية في سوريا
هذا التغيير ملحوظ. فقد انتقلت تركيا من دعم بعض جماعات المعارضة إلى أن تصبح أحد الحلفاء الرئيسيين للحكومة السورية الجديدة التي ظهرت بعد سقوط بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. ويُظهر هذا التطور براغماتية متجددة في السياسة الخارجية التركية، التي تُفضل الآن التعاون الدولي لحماية مصالحها، حتى لو تطلب ذلك إعادة هيكلة التحالفات القديمة.
يتجلى نفوذ أنقرة على جبهات عدة. فبالإضافة إلى الدعم العسكري، تعهدت تركيا بالمساهمة في إعادة إعمار سوريا وتسهيل عودة ملايين اللاجئين. كما لعبت دورًا محوريًا، إلى جانب المملكة العربية السعودية، في رفع العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما عزز مكانتها الدبلوماسية في المنطقة.
مع ذلك، لا يخلو هذا التدخل التركي المتجدد في سوريا من بعض التوترات. وتنظر إسرائيل بقلق إلى تعزيز العلاقات بين أنقرة ودمشق . وتستمر الغارات الجوية الإسرائيلية في جنوب سوريا، بينما تُجري القوتان الإقليميتان محادثات سرية لتجنب التصعيد العسكري المباشر.
أكد “جولر” أن هذه الاجتماعات مع إسرائيل ذات طابع فني، وتهدف إلى إرساء آلية لحل النزاعات. وقال الوزير لرويترز : “لا ينبغي أن نخلط بين هذه القنوات وتطبيع العلاقات” ، موضحًا أن تركيا تتبنى موقفًا متشددًا تجاه الإجراءات الإسرائيلية، وخاصة في غزة.
ترسم أنقرة خارطة طريق جديدة في سوريا: تعزيز وجودها العسكري، وإعادة تشكيل المنظومة الأمنية لجارتها، وإدارة التوترات الإقليمية دون المساس بمبادئها الجيوسياسية . هذه الاستراتيجية الطموحة والمدروسة بعناية قد تُعيد تحديد موازين القوى في الشرق.