عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع الأسبوع للحديث عن مستقبل العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران، عقب تبادل التهديدات بين الطرفين مؤخرا، بقوله إنه مستعد للاجتماع مع نظيره الإيراني حسن روحاني دون شروط مسبقة لبحث سبل تحسين العلاقات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015.
وقال ترامب موجها كلامه إلى قيادة إيران وعلى رأسها الرئيس حسن روحاني “إذا كانوا يريدون اللقاء فسوف نلتقي”.
وعندما سئل الرئيس الأميركي في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض عمّا إذا كان مستعدا للاجتماع بروحاني قال ترامب “سألتقي مع أي شخص، أنا مؤمن بالاجتماعات” خاصة في الحالات التي يكون فيها خطر الحرب قائما.
إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي ردّ قائلا “نظرا للإجراءات العدائية التي قامت بها أميركا ضد إيران لن تكون هناك إمكانية للتحاور معها وقد أثبتت أنه لا يمكن الثقة بها يوما بعد يوم”.
فيما أفادت القيادة الايرانية الثلاثاء بأن على الولايات المتحدة العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في مايو، وذلك من أجل تمهيد الطريق لإجراء محادثات مع الجمهورية الإسلامية.
وقال حميد أبوطالبي، وهو مستشار لروحاني، “احترام حقوق الأمة الإيرانية وخفض الأعمال العدائية والعودة إلى الاتفاق النووي خطوات يتعين اتخاذها لتمهيد طريق المحادثات الصعب بين إيران وأميركا”.
انقلب ترامب على مواقفه إلى النقيض تجاه طهران بتأكيده أنه مستعد للاجتماع مع حسن روحاني دون شروط مسبقة لبحث سبل تحسين العلاقات
وتستهدف واشنطن حمل طهران على إنهاء برنامجها النووي ووقف دعمها للجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، حيث تخوض إيران حروبا بالوكالة من اليمن إلى سوريا.
وتعمل إيران والدول الأخرى الموقعة على الاتفاق من أجل إيجاد وسيلة لإنقاذه على الرغم من معاودة الولايات المتحدة فرض بعض العقوبات على إيران.
ولم يلتق أي رئيس أميركي بزعيم إيراني منذ أن قطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد عام من ثورة 1979 التي أطاحت بالشاه، الذي كان حليفا للولايات المتحدة. وكسر الرئيس باراك أوباما جمودا في العلاقات استمر ثلاثة عقود بإجرائه اتصالا هاتفيا مع روحاني عام 2013.وأوضح البيت الأبيض أن استعداد ترامب للقاء روحاني لن يغير عزم الإدارة على تصعيد العقوبات وحدة الخطاب تجاه إيران لتحقيق هدف معلن وهو “السعي لإحداث تغييرات في سلوك الحكومة الإيرانية”. لكن تصريحات ترامب تمثل تخفيفا ملحوظا في لهجته مقارنة بأسبوع مضى عندما هاجم روحاني في تغريدة قائلا “لا تهدد أبدا الولايات المتحدة مرة أخرى وإلا ستتكبد عواقب لم يشهد مثيلها سوى قلة عبر التاريخ”.
وقبل تغريدة ترامب في 22 يوليو كان روحاني قد ألقى خطابا وجه خلاله كلمة لترامب قال فيها إن السياسات العدائية للولايات المتحدة قد تقود إلى “أم الحروب”.
وقال ترامب الاثنين خلال مؤتمر صحافي مع رئيس وزراء إيطاليا الزائر جوزيبي كونتي “سأجتمع بالتأكيد مع (المسؤولين في) إيران إذا أرادوا الاجتماع. لا أعلم إن كانوا مستعدين بعد”.
وأضاف “أنهيت الاتفاق (النووي) مع إيران. كان اتفاقا سخيفا، أعتقد أنهم سيرغبون في الاجتماع على الأرجح في نهاية المطاف وأنا مستعد للقاء في أي وقت يرغبون فيه”.
وتابع إنه ليست لديه “أي شروط مسبقة” للاجتماع مع الإيرانيين، مضيفا “إذا كانوا يريدون اللقاء فسوف نلتقي”. واضاف “إذا استطعنا عمل شيء بناء وليس ورقة نفايات مثل الاتفاق الآخر فإنني بالتأكيد مستعد للاجتماع”.
وذكر البيت الأبيض أنه حتى على الرغم من أن الرئيس “منفتح على الحوار والمفاوضات” فإن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات أو ستستعيد العلاقات الدبلوماسية والتجارية.
وقال غاريت ماركيز المتحدث باسم مجلس الأمن القومي “هذا التخفيف لن يكون ممكنا إلا إذا كانت هناك تغيرات ملموسة وواضحة ومستدامة في سياسات طهران”، وأضاف “وإلى حين حدوث ذلك ستزداد وطأة العقوبات إذا لم يغير النظام مساره”.
وكان ترامب قد أعلن في شهر مايو الماضي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي يهدف إلى منع إيران من صنع أسلحة نووية. ومنذ ذلك الحين تتعرض طهران لضغوط أميركية متزايدة ولاحتمال استئناف العقوبات التي علقها الاتفاق.
شروط بومبيو
وفي الوقت الذي أبدى فيه المراقبون استغرابهم من خطوة ترامب تجاه طهران والتي بدا فيها منقلبا في مواقفه وأهدأ نبرة حيال ايران، خرج وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لوضع الأمور في نصابها وتوضيح الأسس التي يمكن أن تفضي إلى إجراء محادثات مباشرة مع طهران تعقيبا على ما ورد من قبل ترامب الذي قال إنه مستعد للقاء القيادة الإيرانية في أي وقت ودون شروط.
وقال بومبيو “إذا أظهر الإيرانيون التزاما بإجراء تغييرات جوهرية على كيفية تعاملهم مع شعبهم ، والحد من سلوكهم الخبيث، ووافقوا على أنه من المفيد الدخول في اتفاقية نووية تمنع فعليا الانتشار، عندئذ، في هذه الحالة فإن الرئيس مستعد للجلوس للتحادث معهم”.
واضاف لمحطة سي.أن.بي.سي التلفزيونية “يريد الرئيس الاجتماع مع أشخاص لحل المشاكل”.

التغيّر الملموس في خطاب الإدارة الأميركية تجاه القيادة الإيرانية، جاء مرفوقا بتعقيب طهران على لسان الرئيس حسن روحاني الذي سارع في التأكيد على أن بلاده لا تسعى لإحداث توترات في المنطقة أو عرقلة تدفق النفط الخليجي، لكنها لن تتخلى في المقابل عن حقها في تصدير النفط.
وأكد عقب تصريحات ترامب أن “انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ‘غير قانوني’ وأن الكرة أصبحت ‘في ملعب أوروبا’ في ما يتعلق بالمحافظة على العلاقات مع طهران”.
ووضعت إيران الثلاثاء شرطا أخيرا أمام الولايات المتحدة الأميركية، ودول العالم لإبقاء مضيق هرمز مفتوحا.
من جهته، قال قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني، الأميرال حسين خانزادي، “إن بقاء مضيق هرمز مفتوحا مرتبط بتأمين المصالح الإيرانية”، داعيا المجتمع الدولي إلى تنفيذ التزاماته تجاه طهران.
وأضاف “إن إجراءات الحظر التي تطرح بشأن إيران تؤثر بالتأكيد على نشاط مضيق هرمز، وعلينا أن نعلم بأن النتيجة الحاصلة من قرار ما على الصعيد الدولي لا تؤثر على دولة واحدة فقط، بل تؤثر على إجراءات الآخرين أيضا”.
جر طهران الى المفاوضات
وكان إعلان ترامب في البيت الأبيض وفق كل الملاحظين عن استعداده للاجتماع بالقيادة الإيرانية ومن دون أي شروط مسبقة، مباغتا ليس لطهران فحسب، بل لواشنطن أيضا ومعاونيه الذين شغلهم البحث عن دواعي هذا التحول المفاجئ.
ورغم أن ترامب لم يتخل عن تشدده تجاه إيران، فإن البعض يرجع خطوته إلى وضع إيران تحت اختبار سياسي جديد بطرحه خيارا آخر يتضارب مع الخطاب المألوف لإدارته لجرها إلى التفاوض.
وللرئيس الأميركي سوابق انتقل فيها من موقع الخصم والاستعداد للذاهب إلى الحرب إلى موقع المحاور على طاولات القمم، كما جرى في تعامله مع كوريا الشمالية، أو اعتماده نفس النهج في “حربه التجارية” مع الأوروبيين.
ولا تعد خطوة ترامب حيال إيران مفاجئة لدى البعض، حيث سبق أن خففت تصريحات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، الأسبوع الماضي، من حملة الرئيس الأميركي على إيران ووجهت رسائل طمأنة للمسؤولين في طهران بأن واشنطن لا تخطط لإسقاط النظام. ويأتي هذا ليتناقض مع مساعي واشنطن لبناء “ناتو عربي” كجزء من خطتها لمواجهة شاملة مع إيران. وكان ماتيس قد قال إن الولايات المتحدة لم تتبنّ سياسة لتغيير النظام في إيران أو دفعه إلى الانهيار، مضيفا “نريدهم أن يغيروا سلوكهم في ما يخص عددا من التهديدات التي يمكن أن يشكلها جيشهم ومخابراتهم ومن ينوبون عنهم ووكلاؤهم”.
ورجح محللون ألا تعكس تصريحات ماتيس تغييرا في الاستراتيجية بقدر ما هي محاولة لترك الأبواب مفتوحة أمام تهدئة تقوم على قبول إيران بتعديلات جوهرية على الاتفاق النووي تقترحها إدارة ترامب.

لكنهم حذروا من أن خطاب التهدئة قد يفهم في إيران على أنه تراجع من ترامب، وأنه أوحى لوزير الدفاع للقيام بذلك بدلا منه، وأن الأمر قد يفهم من دول خليجية حليفة على أن واشنطن عادت إلى استراتيجية ترضية إيران التي كانت تعتمدها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
وقد يضفي كلام ماتيس، المزيد من الشكوك لدى دول الخليج ومصر على خطط واشنطن للحد من النفوذ الإيراني، وهي خطط لا تقف عند الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، بل تضع ضمن عناصرها المواجهة العسكرية، وهو ما يبرر مساعي واشنطن لبناء تحالف أمني مع الدول العربية.
وقال مسؤولون أميركيون إن إدارة ترامب تمضي خفية في مساع لتشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج ومصر والأردن بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة.
وذكرت أربعة مصادر أن البيت الأبيض يريد تعزيز التعاون مع تلك البلدان بخصوص الدفاع الصاروخي والتدريب العسكري ومكافحة الإرهاب وقضايا أخرى مثل دعم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية. والخطة التي ترمي إلى تشكيل ما وصفه مسؤولون في البيت الأبيض والشرق الأوسط بنسخة عربية من حلف شمال الأطلسي أو “ناتو عربي”، من شأنها أن تزيد الضغوط على إيران.
المصدر : صحيفة العرب