في قلب قرية ديرماما، إحدى أبرز قرى ريف مصياف، تتلاشى مهنة تربية دودة القز وإنتاج الحرير الطبيعي، التي كانت لعقود مصدر رزق وتراثاً متجذراً في وجدان الأهالي. الأستاذ محمد سعود، آخر من تبقى من مربي دودة القز في القرية، يحتفظ بشرنقة أخيرة داخل متحفه الخاص، شاهداً على اندثار مهنة كانت يوماً ما نابضة بالحياة.
وداع مؤلم لشجرة التوت ومهنة الحرير
في مشهد مؤلم، وقفت السيدة سعاد تودّع آخر شجرة توت في أرضها، وهي التي كانت ترعى أوراقها بعناية لتغذية ديدان القز، كما لو كانت أطفالها. لم تكن صناعة الحرير مجرد مهنة، بل كانت امتداداً للروح والهوية، متجذرة في ذاكرة الأجداد الذين حافظوا عليها لعشرات السنين.
لكن الأزمة الاقتصادية، وارتفاع أسعار المازوت، دفع الأهالي لاستخدام أشجار التوت كوقود للتدفئة، ما أدى إلى تراجع تربية دودة القز، خاصة في ظل غياب الدعم الحكومي من وزارة الزراعة خلال سنوات النظام السابق.
أسباب تراجع تربية دودة القز في سوريا
واجه مربو دودة القز في مصياف تحديات كبيرة، أبرزها:
– نقص البيوض المستوردة ومستلزمات التربية
– غياب الدعم الفني والمالي من الجهات الرسمية
– منافسة شرسة من الحرير الصناعي والمنسوجات الجاهزة
– انخفاض أسعار بيع الشرانق وخيوط الحرير
– غياب قنوات تسويق داخلية وخارجية للمنتجات
ورغم أن هذه المهنة مربحة في دول مثل تركيا، حيث تلقى دعماً وترويجاً عبر المعارض الدولية، إلا أنها بقيت مهمشة في سوريا، تُمارس بأساليب بدائية دون أي تطوير أو اهتمام.
انهيار الإنتاج في ديرماما

كانت قرية ديرماما في التسعينات تنتج نحو 11 طناً من الشرانق سنوياً، لكن الإنتاج بدأ بالتراجع تدريجياً:
– في تسعينات القرن الماضي، بلغ إنتاج قرية ديرماما من الشرانق أحد عشر طناً.
– في عام ألفين، انخفض الإنتاج إلى تسعة أطنان.
– في عام ألفين وتسعة، تراجع إلى ثلاثة أطنان ومئة كيلوغرام.
– في عام ألفين وعشرة، بلغ الإنتاج طنين فقط.
– وفي عام ألفين وأحد عشر، اقتصر الإنتاج على طن واحد فقط.
مميزات الحرير الطبيعي
رغم التحديات، يبقى الحرير الطبيعي المنتج من دودة القز من أفضل أنواع الألياف:
– خفيف الوزن ولامع اللون
– مقاوم للبرد وذو مرونة عالية
– مفيد لعلاج بعض الأمراض الجلدية الحساسة
– يحمل قيمة تراثية وثقافية عالية
لكن ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، جعلت هذه المنتجات حكراً على الأغنياء والسياح، بعد أن كانت جزءاً من الزي الشعبي في المدن والأرياف.
متحف الحرير: آخر بصيص أمل
في ظل هذا التراجع، يبرز الأستاذ محمد سعود كمثال حي على الوفاء للمهنة، إذ أنشأ متحفاً فريداً يوثق مراحل تربية دودة القز وتصنيع الحرير الطبيعي، ليكون شاهداً على إرث قرية ديرماما، ومعلماً ثقافياً نادراً على مستوى سوريا.







