أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 18 من أيلول الجاري، أن قوات نظام الأسد والميليشيات الشيعية من بينها “حزب الله”، عبرت إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات باستخدامها جسر عائم روسي ومركبات برمائية. في الأثناء، تصل ميليشيا “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تدعمها الولايات المتحدة إلى دير الزور من الشمال الشرقي.
وعلى الرغم من أن الوضع ما زال غير مستقر، فإن عبور عناصر من “الفيلق الخامس”، المدربة من قبل إيران والمدعومة من روسيا له تداعيات عميقة على السياسة الأمريكية بشأن تنظيم “الدولة” داعش والنظام وإيران.
الفرات ليس خط فصل
وأشار تحليل نشره معهد واشنطن اليوم، إلى أن عبور الضفة الشرقية لنهر الفرات، يضعف الحجة القائلة، بأن نهر الفرات يمكن أن يكون بمثابة خط تجنّب المواجهة قابل للتطبيق في الوقت الذي ينهار فيه داعش، مثلما فَصَل نهر إلْبيه (Elbe) في أوربا القوات الروسية والأمريكية في ختام الحرب العالمية الثانية.
ويزيد المعبر الجديد من احتمال المواجهة بين الوكلاء (النظام وإيران من جهة وقسد من جهة أخرى) أو حتى بين القوات الأمريكية والروسية، كما برز ذلك في 16 أيلول، عندما قام الطيران الروسي بقصف أهداف لـ”قسد” على بعد بضعة أميال من “قوات العمليات الخاصة” الأمريكية.
ويثير ذلك تساؤل حول الكيفية التي تنوي بها الولايات المتحدة حماية “قسد” وغيرها من الوكلاء على الأرض.
عملية معقدة
وتؤدي هذه الخطوة أيضاً إلى تعقيد أي عملية ضغط محتملة تقوم بها “قسد” في الضفة الشرقية من نهر الفرات ونحو التقدم إلى حقول النفط والغاز المحلية، التي يمكن استخدامها لتمويل إعادة الإعمار في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش سابقاً.
وفي هذا الصدد، قالت المتحدثة باسم نظام الأسد بثينة شعبان لقناة “بريس تي في” الإيرانية، إن “الهدف الاستراتيجي لبشار الأسد هو وقف تقدم قسد”، واصفة قوات قسد بالمعتدية وغير شرعية، وساوتها بداعش.
ويرى التحليل الذي نشره معهد واشنطن، أنه إذا احتفظت روسيا ونظام الأسد برأس جسر على الضفة الشرقية، فمن المحتمل أن تغلق الطريق الرئيسي الواصل بين الشمال والجنوب على ذلك الجانب من النهر، مما يجبر قسدعلى الاستمرار في الضغط على “وادي نهر الخابور” الخاضع لسيطرة داعش من أجل الوصول إلى حقول النفط إلى الجنوب.
وفي حال لم تتمكن قسد وواشنطن من الاستيلاء على مناطق الطاقة والزراعة الكبرى جنوب دير الزور، فسوف تفقدان الكثير من نفوذهما على نظام الأسد وإيران وروسيا في أي تسوية سياسية للأزمة السورية.
وهذا السيناريو قد يزيد أيضاً من خطة الأسد لاستعادة “كل شبر” من البلاد بالوسائل العسكرية.
وفي ضوء القوة البشرية المستنفذة للنظام، من المرجح أن ينطوي هذا النهج على مشاركة أوسع من قبل ميليشيا “الحرس الثوري الإسلامي” والميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان ودول أخرى.
وبالنظر إلى العدد الكبير من السكان العرب السنة في وادي الفرات، ستؤدي مثل هذه النتيجة إلى تفاقم العنف الطائفي والمتطرف في المنطقة، مما يؤدي إلى “سوريا جديدة” التي من غير المرجح أن يعود إليها اللاجئون، بحسب التحليل.
إيران وارتباطها بالجسر الروسي
وبالإضافة إلى ذلك، سيؤدي المعبر إلى جلب إيران خطوة أقرب نحو هدفها المعلن المتمثل في إنشاء جسر بري بين العراق وسوريا، مما يمنحها وسيلة أخرى تتمكن من خلالها من نشر القوات والأسلحة على الحدود التي يتواجد فيها حلفاء الولايات المتحدة.
وقد عملت طهران باطراد على تحقيق هذا الهدف حتى في الوقت الذي توصلت فيه إسرائيل إلى اتفاق لوقف التصعيد في جنوب غرب سوريا يهدف إلى إبقاء “حزب الله” وغيره من الميليشيات المدعومة من إيران على بعد بضعة كيلومترات من حدود مرتفعات الجولان.
وقد أدت هذه التطورات إلى غضب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، مما يزيد من احتمال توسيع عملياتها العسكرية في سوريا وحولها لتخفيف قبضة إيران المتعمقة على البلاد.
مواجهة محتملة
ويدّعي دبلوماسيون روس أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في سوريا، إلّا أنّ معبر الفرات يُظهر اليوم أن هناك شيء مختلف في أذهان المسؤولين في شؤون الدفاع في موسكو وطهران، مما يزيد من خطر المواجهة الأمريكية المباشرة مع الأسد وإيران وروسيا.
وإذا كان أحد أهداف الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لقسد هو “تهيئة المناخ” لاحتواء إيران وحلفائها، فإن واشنطن تحتاج إلى الاعتراف بأن طهران والأسد يتحديان هذا الهدف بشكل مباشر بمساعدة القوات الجوية الروسية.
كيف ستحل واشنطن وموسكو المشكلة؟
ولتفادي هذه القائمة المتزايدة من المشاكل، تنخرط الولايات المتحدة بدبلوماسية جادة وتجري اتصالات مع موسكو لتجنب المزيد من التعقيدات العسكرية.
ومع ذلك، تحتاج واشنطن أيضاً إلى إعادة تأكيد دعمها لقسد، فى الوقت الذى تتضايق فيه خطوط السيطرة بينها وبين القوات الموالية للأسد.
ويعني ذلك وضع سياسة واضحة بشأن ما ستفعله الولايات المتحدة وما لن تفعله للدفاع عن وكلائها في شرق سوريا وأماكن أخرى.
يكمن هدف واشنطن الأساسي في دحر تنظيم داعش، ولكن الإدارة الأمريكية أعلنت أيضاً عزمها على احتواء “النشاط الخبيث” التي تقوم به إيران في المنطقة.
أورينت نت