“سيارة صغيرة قوّمت الأردن وما قعدتها كيف إذا غضب الجيش العربي السوري، للموعظة يا سنافر”؛ بتلك الكلمات الاستفزازية، المسكونة بالشماتة، علّق العضو السابق بمجلس الشعب السوري أحمد شلاش، على الهجوم الانتحاري أمس، على نقطة عسكرية في منطقة الركبان الحدودية، وأدى إلى استشهاد 6 وإصابة 14 من كوادر الجيش والأمن.
بالطبع، كان رد فعل الأردنيين غاضباً لدرجة كبيرة على شلاش. لكنّ القضية لا تقف عنده؛ فما أظهره لسانه، تستبطنه قلوب وعقول مريضة موالية للنظام الدموي في سورية، حتى في أوساطنا السياسية، حاولت أمس “الصيد في الماء العكر”، بعد الهجوم الإرهابي.
جريدة “الأخبار” اللبنانية (المحسوبة على إيران والنظام السوري) عملت هي الأخرى، من خلال تقرير نشرته، على “خلط الأوراق”، عندما أرادت صرف الانتباه عن المشتبه به الأول في العملية؛ تنظيم “داعش”، عبر الإشارة إلى فصيل صغير يعمل في درعا (وتوقف عن النشاط منذ قرابة عامين، وفقاً للصحيفة) يدعى “سرايا المجاهدين”، وتحميله مسؤولية العملية، ولوم “النظام الأردني” على ما اعتبرته الصحيفة “دعماً للمعارضة” المعتدلة في سورية ضد النظام هناك.
التقرير ينضح شماتة و”أستذة” على الأردن، وكأنّ نظام الأسد “بريء” مما يحدث؛ من دون أن يتذكر هؤلاء “الحكماء” أنّ هذا النظام الدموي هو الذي جرّ على الشعب السوري الكوارث والويلات والمصائب، وأنّ نصف الشعب تقريباً شُرّد في الداخل والخارج، وأنّ هناك مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين، وأنّ 40 % تقريباً من المباني هدمت بفعل قصف الطائرات والصواريخ، وأنّ قرابة 120 ألفا قتلوا من الجيش السوري في “حرب الاستنزاف” هذه، وذلك لأنّ الرئيس متشبث بالكرسي، وأيّ كرسي؛ يحرّكه الإيرانيون والروس كيفما يشاؤون!
السجال عقيم مع هذا المنطق الأعوج. لكن المهم في الأمر أنّ أنصار النظام السوري وأدواته السياسية والإعلامية، يعملون على توظيف ما يحدث لخدمة النظام السوري وللوم السياسات الأردنية، تحديداً في درعا. ولو نظر هؤلاء إلى الوضع في درعا سيجدون أنّه الأفضل على الإطلاق مقارنة بالمحافظات السورية كافة، وذلك لأنّ السياسة الأردنية أدارت الوضع هناك خلال الفترة الماضية، وقامت بتوازنات مهمة حيّدت درعا نسبياً عن المشكلات الكبرى، بعد عام على اندلاع القتال.
الفترة الوحيدة التي وثق فيها الأردن بالروس كادت أن تؤدي إلى كارثة كبرى على حدودنا الشمالية، بعد أن خرق النظام السوري والإيرانيون “التفاهمات” الأردنية-الروسية، وقاموا باحتلال قرية الشيخ مسكين وأرادوا الإطباق على درعا البلد، ما كان سيؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من اللاجئين إلى الأردن، وسبب ولادة “داعش” في الريف الغربي لدرعا، بعد أن كان محروماً من ذلك خلال الفترة الماضية كاملة.
المشكلة لا تقتصر على الأصوات السورية والعربية الموالية لنظام الأسد، بل تمتد إلى أطراف وشخصيات محلية تعمل أيضاً، وباستمرار، على استثمار أي كارثة أو مصيبة لمحاولة ترميم العلاقة مع النظام السوري، ودفع الأردن إلى إعادة التحالف معه، بذريعة الإرهاب و”داعش”، وفي ثنايا كلام هذا التيار اتهام للسياسات الأردنية شبيه بذلك الذي يطلقه نظام الأسد.
والطريف في الأمر أنّ “أنصار” الأسد في عمّان، لا يلتفتون إلى كل هذه الشماتة واللغة المتعالية من “أصدقائهم” ضد الأردن، ولا التهم التي تكال صباح مساء للدولة والجيش والسياسات الأردنية، التي تحاول حماية المصالح الوطنية، ويصرون على أنّ الأسد هو حليف استراتيجي، بينما لو تُرك الأمر لصاحبهم لأصبح الأشقاء اللاجئون السوريون في الأردن وعلى الحدود أضعاف العدد الحالي!
الغد الأردنية