” أدوات وأشياء أخرى قد لا تخطر ببال أحد من الخردوات، يفترشها أبو سليم على قارعة الطريق، وهي عبارة عن بعض القطع المصنوعة من معادن مختلفة كالحديد والنحاس أو من البلاستيك، ليستهل يومه بالدعاء وطلب الرزق علّه يبيع منها ما يستطيع بثمنه سدّ رمق عائلته ويؤمن قوت يومه.
بنظراته الحزينة الممزوجة بالأمل يروي لنا قصته مع الخردة :” كنت أعمل مستخدماً في إحدى دوائر الدولة في مدينة إدلب، إلا أنني فُصلت من العمل لأنني لم ألتحق بدائرتي في مناطق سيطرة النظام، وهنا بدأت معاناتي بعد أن فقدت مصدر رزقي، فأنا في الخمسين من عمري، وجسدي لا يحتمل العمل الشاق، وهنا جاءت فكرة بيع الخردة”.
ولجمع الخردة طقوس خاصة في مدينة إدلب، إذ يتجول مَن يود جمعَها عبر سيارة “سوزوكي” وينادي بين الحارات ليشتري من سكانها أي قطعة منزلية قديمة أو أي شيء قد يكون ليس ذا قيمة، إلا أنه يبيعه بسعر أعلى لمن يلزمه.
لكن هذه العادة انحسرت أو ربما تلاشت خلال السنوات الأخيرة نظراً لارتفاع سعر ليتر البنزين والذي يتجاوز أحيانا الخمسمئة ليرة سورية في المناطق المحررة، فكانت مواقع التواصل الاجتماعي بأسواقها الافتراضية خير بديل لأبي سليم لشراء بضاعته من الخردوات.
بينما يرتب أبو سليم بضاعته وينسق كلاً منها على حدةٍ يحدثنا قائلاً :” في البداية قمت بجمع بعض الخردة من منزلي ومنازل أخوتي الذين تركوا إدلب بعد تحريرها ولجؤوا إلى تركيا للعمل فيها، فقمت بافتراشها على الرصيف، لأنني غير قادر على استئجار محل لبيع الخردة، رغم أنني في الأيام الأولى لم أتمكن من بيع قطعة واحدة، إلا أنه سرعان ما بدأت الناس تعرفني، ومنهم كان يطلب مني أن أؤمن له بعض القطع المعدنية كخلاطات المياه وأقفال الأبواب وقطع الاستبدال لبعض الأدوات الكهربائية ومسامير وبراغي بأحجام مختلفة و” على مبدأ الي مابيلزمك بيلزم غيرك”، والحمد لله أصبحت حصّل قوت يومي وما احتاج حدا”.
” بهالوقت كل شي بيلزم وكل شي إلو قيمة وممكن نستفيد منو”، مقولة رددها كثير من السوريين خلال سنوات الحرب نظراً لارتفاع الأسعار الجنوني الذي طال كل شيء، ليترجمها السوري “متعب سليمان” وهو فنان مبدع يقيم في لبنان قام بتحويل قطع الخردة إلى لوحات فنية وإعادة الحياة إليها لتخطف بإبداعها الأبصار، وقام بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لتلقى رواجاً من محبّي الفن.
تتحدث أم سليم عن عمل زوجها ضاحكة :” كل مساء يعود زوجي للمنزل بعد يوم متعب ومعه أكياس الخردة التي تزداد يوماً بعد يوم، أتذمر منه في بعض الأحيان؛ لأنه يحول البيت إلى فوضى إلا أنني أحمد الله أنه مازال بصحته ويستمتع بعمله وأنه يعمل جاهداً لتأمين كافة متطلباتنا”.
لعل عمل أبي سليم بافتراشه الطريق لقطع الخردة يعتبر ظاهرة غير حضارية بالمجتمعات المتقدمة، إلا أن ظروف الحرب القاسية كانت أقوى منه، ورغم ذلك يبقى الأمل موجوداً في قلوب السوريين الذين رفضوا الخنوع والاستسلام وحاولوا أن يستغلوا كل الإمكانيات المتوفرة أمامهم لاستمرار الحياة.
المركز الصحفي السوري – سماح خالد