يكتسب التنسيق والتواصل والاتصال الأفقي بين المؤسسات المستقلة العربية والصحفيين العرب أهمية كبيرة في تطوير قطاع الإعلام ويساهم بفهم أعمق للتحديات التي تواجه هذا القطاع ويساعد على وضع خطط للمناصرة والتطوير ليكون للإعلام المستقل الدور الأعمق والأكثر تأثيرًا في المجتمع
أعلن مركز الصحافة الاجتماعية عن عقد لقاء حواري بين الصحفيين العرب بهدف تعزيز التنسيق بينهم وفهم أعمق لقطاع الصحافة المستقلة ، فبادر للتسجيل 83 صحفيًّا وناشطًا من المجتمع المدني ، تم اختيار 62 منهم للمشاركة شارك منهم في اللقاء بفاعلية 42 صحفيًّا ومدير مؤسسة وناشطًا حقوقيًّا..
بدأ اللقاء بحديث الدكتور زيدون الزعبي وهو ميسّر حورات مع مكتب المبعوث الدولي ومدرب ، وقد أجاب عن سؤال حيث قال: ” الإعلام إما إعلام حكومي وهدفه حشد وتأييد الأجندة السياسية ومرتبط بها أو الإعلام الخاص الذي يهدف على الغالب إلى الربح ، والإعلام المستقل الذي ظهر مع بداية الربيع العربي لا يبتغي ربحًا ولا حشد تأييد لسياسة أو حزب أو أشخاص بل نقل خبر وإحقاق التحول الديمقراطي ومناصرة قضايا التنمية ورفع الوعي وحماية الخبر من التزييف وهو شكل من أشكال القطاع المدني”.
وتابع زيدون وجهة نظره حول انتهاء الموجة الأولى من الربيع العربي بالدول التي نشأ بها ما يعني أنّ هناك تنمية اقتصادية واقتراب العرب من النموذج الصيني للتنمية فالسياسة أصبحت محرمة ومحصورة بفئة محددة وبالتالي فالإعلام المستقل أمام مأزق كبير ، فهو غير مهيَّأ لمواكبة الانفتاح الاقتصادي لاعتماده على التطوع والتمويل المحلي والمشاريع القصيرة ولا موردَ ماديًّا ثابتًا له ، ومن ناحية السياسة فلا داع لوجود الإعلام المستقل مع إغلاق السياسة ، فالربيع الأوربي الذي مر على الغرب سابقًا غيَّر للأفضل بعد معاناة كبيرة وإعلامه صارع وبقي، فيجب على الإعلام المستقل أنّ ينفتح و يتعاضد ويتكافل مع بعضه ليصمد.
محاولة السلطات في الوطن العربي السيطرة على الإعلام لتوجيه الرأي العام بما يتماشى مع مصالحها فقيّدت الصحفيين بقوانين أمنية تعيق العمل الصحفي الحر وغيّبت كل من يعارض سياساتها عن المنابر الحكومية والخاصة وعتّمت على المعلومات وقيّدت حق النفاذ للمعلومات ، فلم تكن الحكومات العربية مقتنعة بالتغيير أو الإصلاح أو ضرورة إطلاق حرية العمل الصحافي فأسندت المناصب العليا في الإعلام وإدارته لغير المتخصصين ، فغلبت معايير الولاء والمحسوبيات والعلاقات الشخصية على معايير الكفاءة المهنية والنزاهة بالإضافة للفساد المالي وتخلفت البنية التقنية والتكنولوجية لهذه المؤسسات نتيجة الإهمال
لذلك يتوقع أن يستمر الإعلام الرسمي العربي بالتراجع لحساب الإعلام الخاص والمستقل لتراجع دوره ومكانته ، لذلك فالإعلام الرسمي مجبر على التقوقع أكثر.
الباحث والصحفي عبد الصمد جطيوي الباحث المغربي قال “إنّ الإعلام لم يخلق فقط للأزمات بل نتيجة الأوضاع تحوّل الإعلام وأصبح لصيقًا لما يجري بالساحة رغم تسابق القنوات للظهور في الأزمة ، وأعاد شتيوي طرح : هل من الضروري أن يعيش الإعلام بالأزمات ؟ وأجاب إنّ الإعلام يعيش بالخبر وليس فقط بالأزمات .
الدكتور عبد النبي الشراط كاتب صحفي ومدير دار الوطن المغربية للنشر قال ” الإعلام الحكومي ينطق باسم الحكومة وليس باسم الشعب وهو ينطق باسم الجهة التي تموّله والإعلام الحكومي أخفق وهو وجد ليروج للسلطات والأحزاب ، وقال نحن في المغرب ندفع ضرائب ثابتة للإعلام ليكون ناطقًا باسم الشعب” .
وسام رضوان مدير مكتب التدريب والتطوير في الحكومة الفلسطينية قال “إنّ التطور التكنولوجي ومواكبة الإعلام الحكومي للتطور لا يمكن بسهولة لأنّ الإعلام الحكومي يتسم بالقولبة الجامدة بالإضافة للسياسات التحريرية الحكومية التي تقيده بينما مواكبة التطورات تحتاج الكثير من الوقت والسرعة ونحن في الحكومة حاولنا أن نساهم بتطوير الإعلام المستقل من خلال إشراكه في التدريبات والحوارات والخطط للارتقاء به.
تحدث الصحفي والباحث مصطفى النعيمي حول نقطة عن الإعلام الحكومي الرسمي السوري والفجوة الكبيرة في نقل الحقائق الذي تجاهل النشطاء السوريين وجهودهم ونجاحاتهم وحصل خلل بأداء الإعلام الرسمي ما سبب بانشقاقات داخل الإعلام الرسمي ويجب إعادة تقييم الواقع الإعلامي .
قالت مريم الحاميدي صحفية تونسية ” كان الإعلام الحكومي مجرد وسيلة لتبليغ رسائل الحاكم رغم إن الدستور التونسي يقول غير ذلك بعد عام 2011 أصبح الإعلام الحكومي يعطي مساحة أكبر للحريات والإعلام المستقل يعاني ، أصبح المتلقي يفضل وسائل التواصل الاجتماعي بسبب قربها من الجمهور ، يجب على الإعلام أن يقترب من الشباب وجميع فئات المجتمع وأن يحدث طرق بث المحتوى والبعد عن منطق التجارة.
الإعلام المستقل يمر بمراحل ولادة مرهقة بالتزامن مع التجارب الديمقراطية التي بدأت تظهر في بعض البلدان العربية وهناك عدة فرص وتجارب واعدة انطلقت في أكثر من دولة عربية في السنوات القليلة الماضية تحاول أن تكون صوتًا حرًّا مستقلًّا بشكل مهني جريء يتجاوز المحظورات السياسية والاجتماعية..
بعضها اعتمد على تمويل غربي والبعض الآخر على التطوع والمال الوطني من قبل مستثمرين متحمسين لدعم إعلام مستقل ، ما ساعد تلك المنصات من تقديم مادة مختلفة وجريئة وعميقة على مستوى التحقيقات الاستقصائية و التحليلات الأفلام الوثائقية ونقد السلطات وشكل أداة رقابية على الحكومات بشكل ضعيف ومحدود ، لكن اعتبره الكثيرون خطوة بدائية ممتازة ونجح هذا الإعلام في تطبيق القواعد المهنية.
المؤسسات المستقلة بغالبيتها أجبرت على التواجد خارج حدود بلد المنشأ، لتنشأ المؤسسات المختلطة التي نجحت في بناء شيء من الشعبية والمصداقية ، لكنها لم تنجح كثيرًا في بناء قاعدة جماهيرية واسعة حتى الأن.
وسائل الإعلام المختلطة – وهي التي يديرها المراسلون من المنفى بالتعاون مع الصحفيين المحليين الذين لايزالون داخل البلاد – تُعد “ظاهرة آخذة في الازدياد”.
يواجه الإعلام المستقل الكثير من التحديات أهمها غياب الحرية ، والقوانيين التي تحمي الاعلام المستقل والمنافسة غير العادلة لتوزيع رخص البث والنشر التي تمنحها ومنع المعلومات عنه بالإضافة للتحدي التكنولوجي، والاعتماد على التمويل غير المستمر والمتقطع وضعف الخبرات ومعوّقات أخرى بالمنظومة الفكرية للجمهور المستهدف.
زيدون الزعبي تحدث عن علاقة الديمقراطية والإعلام المستقل فهما مترابطان ولكن ليسا دائمًا توءمين ، لا أعتقد بأن الإعلام مستقل بالكامل حتى في أمريكا وبريطانيا ففي أمريكا أثناء الانتخابات يظهر ارتباط الإعلام بالمال ، ويجب ألا نتوهم بأن حماية الإعلام يؤدي للديمقراطية أو أن الديمقراطية تؤدي لإعلام مستقل ،
في العالم العربي انتهت معركة الديمقراطية لكن معركة الإعلام المستقل لم تنتهِ ، الموجة الأولى من الديمقراطية انتهت لكن الإعلام لم ينتهِ بعد وهذا دليل على إمكانية أن يعيش الإعلام المستقل في بيئات ليست ديمقراطية ومعادية ويمكن أن يستمر إذا كان ذكيًّا ولم يدخل في صدام مباشر مع السلطات القمعية ،
وإذا قرر التحول للصدام سيخسر كونها قوية ولديها أدوات ، هذه السلطات تقضي على الإعلام المستقل ، يجب أن يكون سياسيًّا ويجب أن نعرف بأن تجارب الإعلام المستقل بالوطن العربي مختلفة وأغلب التجارب العربية هي أفضل من التجربة السورية يجب أن يعمل الإعلام العربي بشكل مشترك والابتعاد عن الاستقطابية السياسية والتشبيك المحلي والإقليمي ”
المعز بن رجب صحفي من تونس قال : “يختلف الإعلام بحسب الممول ولا يوجد إعلام مستقل بشكل كامل والمجتمع المدني هو من يستطيع أن يحرر الإعلام ، يمكن أن يوجد إعلام حر في بلد غير ديمقراطي والعكس صحيح فالإعلام المستقل هو منافس للحكومات وأتمنى أن تكون هناك مجموعة للنقاش والحوار بين المشاركين في اللقاء “.
إدريس حميد صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي من ليبيا قال ” هموم الإعلام هي من تجمعنا وبرأيي لا يوجد إعلام مستقل لأنه يحتاج لتمويل والإعلام الغربي هو موجه أيضًا لأهداف وأغراض سياسية واقتصادية والإعلام الحكومي يمر بالمخاض يحمل مغالطات كبيرة ويجب أن يكون لدينا إعلام الحقيقة وفي ليبيا فوضى إعلامية حاليًّا وهناك أغلاط كبيرة وخطاب كراهية وخطاب تحريضي يسيء للقضايا الإنسانية “.
سلمى عثمان صحفية من مصر قالت :” إنّ الإعلام الحكومي أفضل من الإعلام المستقل بسبب الدخلاء على الحكومي أقدر على قوننة الإعلام وضبط الفوضى والناس و وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بدور مهم الإعلام المستقل هو سلاح ذو حدين”
نجوى حسن صحفية من اليمن قالت ” برأيي إن الصحافة المستقلة لها إنجازات كبيرة في نقل الحقيقة والتوعية والإصلاح وتلعب دورًا مهمًّا في التثقيف ورصد الفساد داخل السلطات وتعزيز الحريات والحقوق والوصول للمعلومة بشكل دقيق ، أيضا تعمل على تغطيات شاملة والتي تساهم في الحوار العام وتوفير منصة للجماهير وهي تساهم في بناء مجتمع قوي”
مستقبل الإعلام المستقل يجب أن ندرك بأنه لا توجد وصفة موحدة تناسب الجميع ، فلا يمكن نسخ نماذج الآخرين، ويجب عليه أن يدخلَ في عمليات تفاوض ويحاربَ من أجل الدفاع عن استقلاليتنا وبقائه والبحث عن أنماط أخرى من العمل المشترك، الثنائي أو الجماعي على مستوى المؤسسات العربية .
إن الدور المنوط بالإعلام المستقل قد يكون أكثر فاعلية في الاتجاه الإيجابي إذا ما وُجّه صوب أهداف المجتمع ، ولا يحدث ذلك إلا بلملمة صفوة النخبة العربية المتناثرة التفكير والأماكن والبحث عن المضامين التي ترسخ وتزيد جماهيرية المؤسسات المستقلة واخضاعها لمرجعية تحريرية صلبة لحمايتها من الاستقطاب والانحراف الذي يؤدي إلى انهيار هذه المؤسسات ، والعمل المشترك لتشريع قوانين تحمي الصحفي والمؤسسات وتنسجم مع التوجيهات الديمقراطية وحرية التعبير.
ياسين الزكري صحفي وخبير في مركز دراسات الإعلام الاقتصادي من اليمن قال ” في اليمن قبل 2011 كان عندنا وسائل إعلام مستقرة وليس مستقل ويركز على إنجازات السلطة وكان هناك بعض الوسائل المعارضة التي تبحث عن أخطاء السلطة وفيما بعد ظهر إعلام حر وبعد 2014 أغلقت وسائل الإعلام وبقي إعلام أطراف الصراع في اليمن والمستقلون تم اقصاؤهم ونحن نحاول بناء جيل صحفي جديد مستقلّ وحققنا بعض الإنجازات وكان التحدي الكبير هو انقسام الصحفيين كانقسام السياسة والجيش والمجتمع والآن نعمل على توحيد الجسد الصحفي والتعامل مع الإعلام المستقل في الوطن العربي له تحدياته ”
مداخلة سامح المدهون صحفي ومخرج سينمائي من غزة قال “أتوقع أن يكون للإعلام المستقل عافيته مع ظهور السوشيال ميديا، بعد أن فقد قيمته المعنوية بلبس عباءة الضوابط والقوانين التي تفرضها الحكومات ”
جروف زابيا محامية وناشطة حقوقية جزائرية رأيها ” الإعلام رسالة موجهة من المسؤول إلى الرعية ولا وجود للإعلام الحر وهي سياسة واضحة موجهة بطريقة مدروسة”
“كيف نسهم للدفع بالإعلام المستقل للأمام؟” أجاب عبد الصمد: وجوب إيجاد حلول مالية لأن الإعلام المستقل هو هادف ويجب أن يحمل حقيبة مراقبة للحكومة ونشر الحقيقة ومصارحة الجماهير…..
محمد جيري صحفي وباحث عراقي قال “الإعلام المستقل إعلام يهدف للتوعية والأخبار والتنمية دون أجندات منحازة لأيديولوجيا معينة ويجب أن يكون هناك مساحة من الحرية المسؤولة للإعلام عمومًا والمستقل خصوصًا” .
فارس أبو شيحة باحث من الجزائر ” مع الأسف لا يوجد إعلام مستقل على مستوى الوطن العربي ، وإن وجد يكون مدعومًا من جهة ما لا تمس من وجه نظري”
أحمد شوقي مدير عام وكالة الصحافة والإعلام الدولي ومدير المعهد الفنون التأهيل للصحافة في العراق ” المواضيع المطروحة مهمة ومؤثرة وهناك ضرورة توحيد الخطاب الإعلامي وتوطيد العلاقات بين المجتمعات حتى نستطيع صناعة رأي مؤثر وأتمنى أن يتكرر هذا اللقاء وأن نلتقي وأن يكون هناك مجموعة خاصة للتواصل ”
ختم أكرم الأحمد اللقاء بضرورة عقد لقاءات مستمرة بين الصحفيين العرب سواءً فيزيائياً أو عبر النت والطلب من الحكومات حماية الإعلام المستقل.