دافع رئيس الحكومة البريطانية الاسبق توني بلير الاربعاء عن قراره المشاركة في حرب العراق عام 2003، وذلك عقب صدور تقرير طال انتظاره خلص الى ان غزو العراق بني على ادلة خاطئة وكان تنفيذه يرثى له.
فقد دان تقرير لجنة تشيلكوت الذي انتظره الكثيرون بشغف الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة، وحدد بالتفصيل المعلومات الاستخبارية الخاطئة والاسس القانونية المشكوك بها والاستعدادات الناقصة التي تميزت بها عملية غزو العراق.
وتوصل التقرير الى ان بريطانيا بدأت باعداد قواتها المسلحة لعملية الغزو قبل استنفاد السبل الدبلوماسية وفي وقت “لم يشكل فيه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين اي تهديد محدق.”
كما أبرز التقرير كيف ان بلير كتب الى الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن في تموز / يوليو 2002 – اي قبل الغزو بتسعة شهور – قائلا “انا معك مهما كان.”
ولكن بلير دافع عن قراراته بحماس في مؤتمر صحفي عقده الاربعاء عقب نشر التقرير، قال فيه للصحفيين “اعتقد اننا توصلنا الى القرار الصائب، ولذا فالعالم اصبح افضل واكثر امنا.”
وقال بلير والغصة بادية في صوته إنه “يشعر بقدر من الأسى والندم والاعتذار اكثر مما يمكنكم تصوره” للاخطاء التي ارتكبت في الاعداد لحرب تسببت في حدوث شرخ عميق في المجتمع البريطاني.
وكانت مظاهرة مناهضة للحرب قد انطلقت في لندن عقب صدور تقرير لجنة تشيلكوت اطلق المشاركون فيها هتافات مثل “بلير كذب، ومات الآلاف” و”توني بلير مجرم حرب.”
كما وجهت الصحف البريطانية انتقادات لاذعة لبلير، إذ وصفت التايمز حرب العراق بأنها “حرب بلير الخاصة”، وفيما قالت صحيفة الديلي ميل إن رئيس الوزراء الاسبق عبارة عن “وحش الاوهام.”
وتسبب الغزو والاحتلال الانكلو امريكي للعراق في مقتل نحو 150 الف عراقي، وفي شيوع الفوضى في البلاد كما خلق المناخ الملائم لنمو الحركات الجهادية مثل التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم “الدولة الاسلامية.”
وكان مبرر الحرب ان نظام صدام حسين كان يخفي ترسانة من ” اسلحة الدمار الشامل”، ولكن الغزاة لم يعثروا على اي اثر لهذه “الترسانة” المزعومة، كما تم سحب التقارير الاستخبارية التي اكدت وجودها لاحقا.
وجمل رئيس لجنة التحقيق جون تشيلكوت مدراء اجهزة الاستخبارات مسؤولية هذه الاخطاء، وبرأ ساحة مسؤولي حكومة بلير من تهمة “التلاعب” بتقرير استخباري مهم صدر في ايلول / سبتمبر 2002.
وقال بلير في مؤتمره الصحفي “لم يكذب احد، ولم يخدع احد البرلمان ومجلس الوزراء، ولم يكن هناك التزام سري بخوض الحرب. لم تزور المعلومات الاستخبارية، وقرار الحرب اتخذ بحسن نية.”
كما دافع بوش من جانبه عن غزو العراق واحتلاله، إذ قال الناطق باسمه “العالم اصبح احسن حالا بعد التخلص من صدام حسين.”
ولكن اقارب بعض العسكريين البريطانيين الـ 179 الذين قتلوا في الحرب قالوا إنهم سيفحصون تقرير لجنة التحقيق بعناية للبحث عن اي ادلة تساعدهم في مقاضاة بلير وكبار مساعديه.
كما تعكف مجموعة من نواب البرلمان من عدة احزاب امكانية مقاضاة بلير لما في ذلك احالته الى محكمة الجنايات الدولية.
سفير سابق
وفي وقت لاحق، قال السير جيريمي غرينستوك، المندوب البريطاني السابق لدى الامم المتحدة، إن الولايات المتحدة دفعت بريطانيا الى المشاركة في الحرب على العراق “في وقت مبكر جدا.”
وقال غرينستوك، الذي مثل بلاده لدى المنظمة الدولية في 2003 إن بلير كان يريد استصدار قرار من مجلس الأمن يدعم استخدام القوة العسكرية ضد العراق.
ولكنه قال لبي بي سي إن مسؤولين امريكيين بارزين اعتبروا ذلك “مضيعة للوقت.”
وقال غرينستوك إنه كان يشعر بأن بلير كان يرغب في الانتظار لوقت اطول قبل اللجوء للحل العسكري، مضيفا انه كان من “الاكثر امانا” منح مفتشي الاسلحة في العراق 6 اشهر اخرى لاتمام عملهم في البحث عن اسلحة الدمار الشامل.
وقال غرينستوك لاذاعة بي بي سي الرابعة “شعرت وقتها، والبريطانيون شعروا وقتها، وكذلك رئيس الحكومة ان الامريكيين دفعونا للانخراط في العمل العسكري قبل الاوان.”
واضاف ان بلير كان يريد الحصول على تخويل من مجلس الامن قبل اندلاع الحرب، ولكن المسؤولين الامريكيين لم يكونوا راغبين بذلك.
وقال “الامريكيون لم يكونوا راغبين فعلا في استصدار قرار من مجلس الامن، ولكن رئيس الحكومة كان كذلك لأنه كان يعتقد بأن صدام قد يتراجع دون الحاجة الى استخدام القوة العسكرية. وكان بوش متفقا معه في ذلك، ولكن مسؤولين آخرين خلف بوش لم يتفقوا معه وكانوا يعتقدون ان ذلك مضيعة للوقت.”
من جانبه، قال الجنرال تيم كروس، وهو ارفع ضابط بريطاني رتبة شارك في التخطيط للحرب، إن وزير الدفاع الامريكي الاسبق دونالد رامسفيلد لم يأبه للأمم المتحدة او لبريطانيا حول كيفية ادارة الفترة التي تلي الغزو.
وقال الجنرال كروس إن الامريكيين قرروا حل الجيش العراقي وحزب البعث الحاكم دون اخذ مشورة احد.
ولكن الحاكم الامريكي للعراق في ذلك الحين بول بريمر قال لبي بي سي إن المسؤولين البريطانيين قد احيطوا علما بالاستراتيجية الامريكية للتعامل مع حزب البعث.
وقال بريمر “ذلك القرار بالتحديد نال موافقة رئيس الولايات المتحدة ووزير الدفاع وهيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الامريكية، وكان قد نوقش مسبقا من قبل مستشاري للأمن القومي مع المسؤولين البريطانيين قبل صدوره بعشرة ايام، ولم يصدر عنهم اي اعتراض.”
وقال رئيس الحكومة البريطانية الحالي ديفيد كاميرون، الذي صوت لصالح غزو العراق عام 2003، لنواب مجلس العموم في لندن إنه من المهم “تعلم الدروس التي خرج بها تقرير تشيلكوت من اجل المستقبل” والارتقاء اداء الحكومة والكيفية التي تتعامل بها مع الآراء القانونية.
من جانبه، قال زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربين، الذي صوت ضد الغزو، إن تقرير تشيلكوت يثبت ان حرب العراق كانت “عدوانا عسكرية شن بناء على مبررات كاذبة”، وهو امر قال إنه “يعتبر غير قانوني منذ مدة طويلة من جانب الغالبة الكبرى من الرأي العام الدولي.”
BBC