في إحدى قرى الريف المغربي يعيش سمير (اسم مستعار)، ذات التاسع والعشر ربيعا، شاب خلوق ومجتهد، هذا ما يشهده جل الناس عنه هناك، بدأت حياته في التخبط ابتداءً من رحيله عن قريته من أجل متابعة الدراسة، يسكن منزلاً باشتراك مع زملائه في مدينة تطوان، ويعود أدراجه لمسقط رأسه كل عطلة دراسية، من أجل زيارة آبائه وأجداده و استنشاق هواء المحبة و الحنان منهم، لكن دوام الحال من المحال.
هناك تبدل و تغير و عاد الرجوع للقرية في كل مرة، أمواج العذاب والقهر لسمير، الذي باتت حياته سيل من المعاناة، اشتد الصراع بين أبويه و قرّرا الانفصال عدة مرات، كما أن جدته دائمة اتهام الأم باتهامات لا تحتمل، ربما كانت هذه عصارة الحقد و الكراهية بينهم، باتت الآن تدسها في عقل هذا الشاب لتصل إلى مبتغاها الشيطاني، لم يتحمل الابن كل هذا الكره وهذا الصراع الذي بسط جناحيه على كل أسرته وأصبح هو في هذه القوقعة يطلب النجاة والسلام.
في إحدى عطل الصيف كالعادة، عاد سمير إلى القرية لقضاء العطلة راجيا أن تكون الأمور على أحسن حال، لكنه صدم مرة أخرى و وجدها زادت تعقيدا، و تمنى لو أنه بقي في المدينة على أن يعيش هذا الوضع، فقد احتدم الصراع بين أبويه و انفصلا كليا، و مازال سم الجدة ينتظر ظهور الابن حتى تلدغه فيه، بات فكر الابن مشغولا و أصبح سارح الذهن، آثر حياة العزلة بين أشجار التين واللوز وتغريد العصافير، سألته أحد الجارات في يوم وهو جالس متأمل بين الأشجار منطفئ العينين قائلة : ” ألم تذهب للمنزل يا سمير؟ “.
أجابها و الحزن يدب في أوصاله : ” لا أفضل الجلوس هنا هادئا، لقد كرهت المنزل و ثرثرة جدتي وأبي واتهامهما لأمي في كل مرة “، أردفت قائلة ” لتذهب معي إذن و العب مع ابني لتتسلى قليلا “، همهم هو الآخر ” أريد أن أبقى لوحدي قليلا .. المعذرة “.
غادرت هي و تركته هناك و لم تدري أن أفكارا مسمومة تدور في ذهنه بعد أن فكر مرارا و تكرارا في التخلص من الألم والمعاناة، و كان شبح الانتحار بطلا ينتشله من كل ما سبق، بعد أن قضى يومه متأملا بين الأشجار، عاد للمنزل مقتنعا بوضع حد لحياته البائسة، لقد قرر شنق نفسه بواسطة حبل بعد أن صور مقطع فيديو يتحدث فيه عن معاناته و مشاكله وعذابه النفسي الذي حصده، لقد نال منه القاتل الصامت و بات رواية تتكرر على لسان الجيران، بكل أسى يرددون ” لقد كان شابا رائعا لا يستحق كل ما حدث، كان الله في عون أمه “، نعم لقد منعت الأم من رؤيته ولو للمرة الأخيرة وفقدته للأبد.
لم تكن قصة سمير هي الوحيدة، فقضية الانتحار تزداد افتحالا في الوسط العربي خصوصا بين الشباب، سواءً كان سببه الفقر أو المشاكل العائلية أو النفسية، لكن النتيجة واحدة، ففي كل حين نفقد شابا أو شباب، لابد من حل سديد لوقف نزيف الانتحار و إنقاذ جيل المستقبل.
بقلم : صليحة اضبيّب
المركز الصحفي السوري