لا يزال صدى دعوات مريم يتردد إليّ حتى الآن، تلك الطفلة الصغيرة ذات الأعوام الثمانية، التي لطالما تركتها وهي تدعو لي بالنجاح والتوفيق لأشتري منها قطعةً من البسكويت، ليس بخلاً مني ولكن الأطفال كُثر ولا يمكنني إرضاء الجميع.
انتشار ظاهرة التسول بشكل كبير في الآونة الأخيرة يعود لأسباب غير خافية، كالفقر وفقدان المعيل بسبب الحرب وقلة فرص العمل.. وقد انتشرت إحصائية من الدراسات الاجتماعية قدّرت عدد المتسولين في سوريا بشكل تقريبي بحوالي 250الف، 64،4 منهم يمارسون التسول على شكل بيع أشياء بسيطة (محارم، بسكوت……) ويشكل الأطفال 10% أي حوالي25الف طفل..
تستيقظ مريم منذ الصباح الباكر، وتقف أمام باب الجامعة، بثيابها البالية، وحذائها المخروق، تنتظر قدوم سيارات الطلاب لتسارع إليهم علّها تبيع ما تحمله من بسكويت.. كانت عيناها الزرقاوان تدفعانني لأراقبها عند خروجي من المحاضرات، أتساءل: ماذنب هذه الروح البريئة لتعيش حياة قاسية!
وتتحمل فظاظة الطلاب الجشعين؟ فكم من مرةٍ رأيت طلبة يساومونها على البسكويت حتى يأخذوه بأرخص من ثمنه، وكأنهم يريدون أن ينتصروا عليها، صرت أتعمد أن أشتري منها، سألتها عن اسمها وأين تعيش؟ فقالت: مريم، وأسكن آخر الشارع على اليمين”
مرت فترة لم أذهب فيها للجامعة لانشغالي ببعض الأمور، وعند عودتي للدوام، ما إن رأتني أحمل حقيبتي ومتجه نحو الجامعة حتى وقفت تنتظرني بجانب الطريق مبتسمة ً.. علمتْ بأن رزقها مقبل إليها، ولا أخفيكم فقد كنت فرحاً أيضا لرؤيتها بخير، في هذه المرة اشتريت بسكوتتين، وقد زاد اهتمامي بها سألتها عن أهلها فعلمت أن أبيها مريض وأمها تلك السيدة التي تجلس بجانب حائط الجامعة تبيع البسكويت والشيبس أيضاً، زاد أسفي عليها، لماذا لا تكون من جملة أولئك الأولاد الذين يذهبون للمدرسة؟ ويعيشون في دفء عائلاتهم؟!
وفي العاشر من تشرين الثاني من عام 2018، بينما كنا في نهاية المحاضرة، إذ بصوت فرامل سيارة تُكبح بقوة ثم اصطدمت بشيءٍ ما.. نظرتُ من النافذة فإذا بحادث قد اجتمع الناس حوله، تابع المُحاضرِ كلماته الأخيرة ثم خرجنا، الطلاب في الخارج يحوقلون، ماذا حدث؟ ما الخبر؟ قال طالب من قسم التربية : “طفلة من يلي يبيعوا بسكوت دهستا سيارة ”
ذهبتُ إلى مكان الحادث بخطىً مستعجلة، سألت عن المصاب، فإذا بها مريم، قد نقلت إلى المشفى ، لم أستطع أن أحتمل ذلك .. أخذت العبرات والدموع تنهال من عينيّ، وفي اليوم التالي علمت أنها قد فارقت الحياة.
أتساء في نفسي.. ألا يوجد من ينقذ هؤلاء الأطفال من بؤس الحياة؟ كم من مريم في شمالنا السوري تتمنى لو تكون كبقية الأطفال الذين يعيشون في دفء أسرهم!!!
قصة خبرية/عبد الله حمادي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع
حسبنا الله ونعم الوكيل