قدمت مجلة إيكونوميست البريطانية، في عددها الأخير، تحليلاً مستفيضاً لتداعيات الصراع في سوريا، وللاتفاق على وقف “العمليات العدائية”، والذي يمكن أن يُفضي إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب التي قضت على قرابة نصف مليون سوري، وحولت ملايين آخرين إلى لاجئين، بعد الاتفاق بين أمريكا وروسيا في 12 فبراير( شباط) في ميونيخ، وبمصادقة 17 دولة من مجموعة داعمي سوريا.
تلفت المجلة إلى أن القسم الأول من الاتفاق يقضي بإيصال المساعدات الإنسانية إلى بلدات محاصرة، بعقبه”وقف عمليات عدائية” في ظرف أسبوع، ويبدو من المؤشرات الأولى بداية تحقيق القسم الأول، بعد إعلان الأمم المتحدة في 16 فبراير( شباط) الاتفاق مع النظام على دخول سبع بلدات محاصرة، مع احتمال إلقاء مؤن ومساعدات بواسطة طائرات، فوق مدينة دير الزور التي يسيطر داعش على معظمها.
وتقول إيكونوميست إن ذلك لايعني أنها مؤشر على وقف القتال، خاصةً بعد حديث وزير الخارجية الروسي لافروف، عن استمرار الضربات الجوية ضد “الإرهابيين” رغم توقيع الاتفاق،
وترى المجلة في ذلك عبارة مطاطة. فجبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، تقاتل إلى جانب عدة فصائل مسلحة، بعضها متطرف وبعضها معتدل ويلقى دعماً من الغرب، ولكن روسيا تشعر بأنها محقة في قصف كل من تعتبره” إرهابيين” من قوات المعارضة.
تحول
وتشير إيكونوميست إلى أنه منذ تدخل روسيا في نهاية سبتمبر( أيلول) الماضي، بدعوى محاربة داعش وجبهة النصرة، تحولت الديناميكية القتالية على الأرض.
وبعد أن على وشك الانهيار، أصبح نظام الرئيس بشار الأسد واثقاً من بقائه، وعازماً على استرداد المزيد من الأراضي.
وتحاصر قوات موالية للأسد مناطق خاضعة حالياً لقوات معارضة معتدلة في مدينة حلب، لذا لم يجب عليه أوعلى بوتين وقف القتال؟.
وتُضيف المجلة أنه، قبل أيام قليلة من اتفاق ميونيخ، اتسع نطاق الحرب واشتد، وقتل في 15 فبراير( شباط) 50 مدنياً بصواريخ قصفت مناطق يسيطر عليها مقاتلون في سوريا.
كما قتل ما لا يقل عن 14 شخصاً في مدينة اعزاز في شمال البلاد القرب من الحدود مع تركيا، عندما أصابت صواريخ مستشفيين ومدرسة، وأصابت صواريخ مستشفى في مدينة معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب.
روغوفا
وفي رأي إيكونوميست، فإن ما يزيد الأمور تعقيداً في سوريا، رغبة الأكراد في اقتطاع جزءٍ من الأراضي السورية على طول الحدود مع تركيا، لإقامة منطقة حكم ذاتي خاص بهم”روغوفا” على شاكلة كردستان العراق، وحققت قوات كردية انتصارات على داعش، بالتحالف الضمني مع قوات الأسد، وبدعم من غطاء جوي روسي.
ولكن تركيا مصممة على رفض تحقيق مراد الأكراد، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، بقوله” لن نسمح بسقوط اعزاز، وسنرد بكل قوة وحزم إذا حاولت قوات كردية الاستيلاء على المدينة”.
أهداف روسية
وتشير المجلة لاتهامات يوجهها ديبلوماسيون غربيون إلى الرئيس الروسي بوتين، بأنه ُيسلح لاجئين لتهديد أوروبا ومعاقبة تركيا، التي تدعم قوات معارضة سورية، وأسقطت في نوفمبر( تشرين الثاني) مقاتلة روسية اخترقت مجالها الجوي.
ومن جانبها تعمل تركيا على وقف تدفق موجة جديدة من اللاجئين ببناء مخيمات كبيرة على الجانب السوري من الحدود.
وليس معروفاً بعد إذا كانت مستعدة للدفاع عن تلك المخيمات ضد هجمات روسيا أو النظام.
وإذا فعلت سيكون ذلك تمهيداً لإنشاء منطقة آمنة على طول الحدود، الشيء الذي لطالما طالب به الأتراك، ورفضه الغرب، وعلى رأسه أمريكا.
ولكن كل ذلك لا يعني حسب المجلة أن النظام السوري سيستعيد حلب بسرعة لوجود أكثر من 40 ألف مقاتل داخل المدينة يتبعون أكثر من 50 مجموعة معارضة.
ويبدو أن استراتيجية بوتين الهادفة لإضعاف المعارضة، ومهاجمة المدنيين، ودفعهم للجوء إلى أوروبا، لإجبار زعمائها على التعامل مع موسكو القوةً العظمى، بدأت تؤتي أكلها.
التحالف الإسلامي
وتقول المجلة، لكن مهما بدت استراتيجية بوتين ناجحة، فهي محفوفة بالمخاطر.
فالسعودية، التي تقود تحالفاً إسلامياً جديداً، تجري تدريبات واسعة النطاق، استعداد لحملة برية ضد داعش، وربما تشارك تركيا في الحملة.
وإذا بدأت تلك القوة الجديدة حملة برية في سوريا ضد داعش، فإن قوات النظام ستًصبح عرضة لهجمات، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي تلك الحالة، ستضطر روسيا إما إلى الدفع بقوات برية إضافية أو إلى التراجع، فيما يحتمل أن لا تجد أمريكا أمامها خياراً آخر سوى دعم حلفائها.
وفي رأي إيكونوميست، ربما يشعر بوتين والأسد بالنصر اليوم في سوريا، ولكن الانتصار، أو الهزيمة في سوريا ليسا أكثر من تعبيرين فضفاضين.
وكالات-خليجي بوست