أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية “جون كيربي، في أحد المؤتمرات الصحفية، أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعد حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية، مُرجعًا ذلك، إلى عدم رغبتها في التخلي عن قوة تُعد الأجدر في محاربة تنظيم “داعش”.
وعلى الرغم من إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على عدم إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية، إلا أنها أضافت، الأسبوع الماضي، جماعة الإخوان المسلمين السياسية غير المسلحة إلى قائمة المنظمات الإرهابية.
ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة الأمريكية تجلت في أكثر من موقف سياسي، وقول ذلك لا يعني التحامل على الولايات المتحدة من باب خصومة إيديولوجية أو سياسية، بل من خلال عدة معايير دولية ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير في وضعها، ودعت الدول الأخرى إلى قبولها ورعايتها، ومن أهم هذه المبادئ الدولية التي أتت بها الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها أو من خلال تعاونها مع بعض الدول هي؛ مبدأ الديمقراطية، عدم الإسهام في تشريد المدنيين، رعاية حقوق الإنسان، إخماد الحروب ومحاربة الأنظمة المستبدة من خلال التدخل الإنساني، وغيرها الكثير من المبادئ التي لوحت بها الولايات المتحدة كثيرًا في تحركاتها هنا وهناك.
وفي سياق متصل، يؤكد الباحث السياسي “تاناس كاراغول”، في مقاله المدرج تحت عنوان “بي يي دي صديق، الإخوان إرهاب، إذًا من أنتم؟” المنشور في صحيفة “يني شفق” أن الولايات المتحدة الأمريكية تثبت، من خلال هذه المواقف، أنها الدولة الأم لازدواجية المعايير، حيث تعلن جماعة الإخوان المسلمين ذات المواقف السياسية الأكثر توسطًا بين الحركات السياسية الإسلامية، على أنها حركة إرهابية، بينما حزب الاتحاد الديمقراطي الذي ارتكب جرائم تطهير عنصري أكدت عليها منظمة هيومن رايتس ووتش في أكثر من تقرير لها، هو حزب ثوري مقدام يستحق الثناء، بذريعة إبدائه القدرة على محاربة داعش! ألا يوحي ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية ذات المعايير المزدوجة مستعدة لإعلان أي طرف سياسي معارض، مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تدعو إلى التحرر من التبعية الغربية، لسياستها وهيمنتها في الشرق الأوسط، على أنه إرهابي؟
أضحت القرارات الأمريكية لا تُثير الغرابة قطّ، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية ضربت أمثلة في “النفاق السياسي والحقوقي” عبر التاريخ، والأمر لا يتعلق بالقرارات الأمريكية، بل يتعلق بالدول التي تعول على تلك القرارات، وتحاول الاتكاء عليها لإحراز تقدم على صعيد مصالحها الإقليمية، وعلي ما يبدو، أن تركيا من أكثر الدول التي كانت يجب عليها أن تتعظ من السياسة الأمريكية، حيث أن تاريخ العلاقات التركية الأمريكية حافل بالمواقف التي خذلت بها الولايات المتحدة الأمريكية، من خلالها، تركيا.
وبعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية للإخوان المسلمين التي كانت نموذجًا في السلمية والديمقراطية في مصر منظمة “إرهابية”، أصبح من الضروري لتركيا تغيير سياستها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، فإن دولة لم تحترم مبادئ الحرية والديمقراطية والتحالف المشترك بينها وبين الدول الأخرى، لن تحترم تلك المبادئ والتحالفات في المستقبل. نجاح تركيا في انتهاج سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية مرهون بإقامة تحالفات إقليمية قوية مع القوى الإقليمية التي نالها نصيب من عدم مصداقية السياسة الأمريكية، وخاصة دول الخليج، حيث اتجهت الولايات المتحدة للتحالف مع إيران “التي فتّتت” منطقة الشرق الأوسط، على حساب تحالفها مع تلك الدول التي منحتها الكثير من الخدمات اللوجستية لعقود طويلة.
وفي هذا الإطار، لا بد من دعوة قوى منطقة الشرق الأوسط إلى التحالف والتوافق قبل قوات الأوان، إذ أصبح لا يوجد أي قوة دولية أو إقليمية خارج منطقة الشرق الأوسط، مهتمة ولو لذرة واحدة في مصالح المنطقة، وفي حال قسّمت سورية والقوى الأخرى في الشرق الأوسط تنظر مكتوفة الأيدي، فلتعلم أن دورها قادم لا محالة.
الشرق الأوسط يواجه حرب التقسيم التي واجهها في بدايات القرن العشرين، فإن لم تتحد قوى المنطقة الآن لتنتظر إقامة حدود مع العديد من الدويلات، وحتى لتنتظر نصيبها هي أيضًا من التقسيم!
جلال سلمي – ترك برس