الهدنة بين التوقيع والتطبيق
مراسلة المركز : رزان يوسف
كما هو الحال في كل الحروب التي تستمر فترة طويلة من الزمن , لابد فيها من أن يعاني كل طرف من الأطراف المتنازعة الضعف أحيانا والحاجة لالتقاط أنفاسه من جديد أو لإعادة ترتيب أوراقه , فلا يجدون منفذ لذلك إلا بالاتفاق على هدنة , والتي ربما قد تكون مجرد لعبة يلجأ إليها أحد اطراف النزاع .
فالهدنة كما هو متعارف عليها معاهدة تهدف إلى وقف الأعمال العدائية خلال الحرب بين الأطراف المتنازعة ولكن الهدنة لا تعتبر نهاية الحرب إنما هي فقط وقف اقتتال لفترة زمنية محددة , لكن نجد الآن عدم التزام بمدى زمنية محددة لإنهاء الهدنة فهي تظل قائمة طالما أن كلا أطراف النزاع ملتزم بها , وقد يبدو لنا أن الهدنة قد تكون بادرة ضعف وخاصة من الطرف الذي يبادر بطرح فكرة الهدنة , إلا أننا لابد لنا من الاقرار بضرورتها وخاصة في الحروب التي تستمر لفترات طويلة وتستنزف مقدرات البلاد والسكان.
ففي كل صراع تكون أراضي أحد الأطراف المتنازعة محتلة من قبل الطرف الآخر مما يؤدي إلى تواجد مدنيين تحت سلطة الطرف المعادي فتجد في الهدنة مجالاً للخروج من أرض المحتلة والبحث عن أماكن أكثر أمناً , وهذا ما نجده قد حدث في حمص أثناء التوقيع على الهدنة حيث إن طرفي الأزمة اتفقا ،على تمديد هدنة إنسانية في حمص لمدة ثلاثة أيام ، تمكن أكثر من 800 شخص من مغادرة المدينة بينهم 80 طفلاً ، كما أنه تمكنت هيئات أممية من توصيل مواد غذائية ومؤنة للأهالي وتأمين اسعاف بعض المصابين ونقل المرضى إلى أماكن أكثر أمناً , إضافة إلى إمكانية الاشتراط بأطلاق سراح المعتقلين والتخلي عن مظاهر التسليح في المدن والقرى التي تتضمنها الهدنة .
ومن جهة أخرى قد نرى أحيانا بعض الجوانب السلبية في الهدنة قد تتمثل باستغلال أحد أطراف النزاع للهدنة بإعادة استجماع قواه والحصول على العدة والعتاد من أسلحة أو قوات , وهذا ما قد قام به النظام السوري حيث جعل من الهدن مجالاً لإعادة تنظيم صفوفه وترتيب أوراقه والحصول على دعم أكبر من الدول الحليفة له ليتمكن من إعادة ضرب مقاتلي المعارضة , كما أنه جعل من الهدنة مجالاً لتحديد أماكن وتحركات المقاتلين ومدى الامكانيات التي يمتلكها ,وذلك من خلال استغلال الهدنة في تسريب بعض أجندته بين هؤلاء المقاتلين وخلق الفتنة بينهم , أو اغتيال قيادات منهم .
أن النظام السوري سعى بشكل كبير إلى الترويج للهدن بهدف تحقيق هذه الغاية ولجعل الثورة تحيد عن غايتها , فما صنعه بالمدن والبلدات السورية وما تسبب به من دمار وتشريد وقتل للسكان , وما قامت به آلياته الحربية من طائرات تقصف المدن والبلدات , ودبابات تضرب السكان الأمنين , وحملات عسكرية تهدف إلى اعتقال و تخريب و نهب وسلب وسرقة , جعل الناس ترغب في أنهاء حالة الصراع , وتتطلع إلى الهدنة كسبيل للعودة إلى الحياة الأمنة كما أصطنعها لهم , لكنها للأسف لم تكن إلا وسيلة إما لإعادة هيكلة نفسه أو خطة لضرب مراكز أعدائه
وما يؤكد ذلك الأمر هو عدم التزامه للهدن وخرقه لها متذرعاً بحجج واهية , إما وجود عناصر للقاعدة , أو وجود إرهابيين , أو حتى ادعاءه بخرق مقاتلي المعارضة للهدنة , فيعود من جديد لأعماله الوحشية ومجازره المروعة بحق السكان الأمنين.
أن الهدن التي كانت تقام ولا تزال تقوم بين النظام السوري ومقاتلي المعارضة والجبهات الإسلامية أثرت بشكل كبير على الثورة في سوريا , وخاصة مع وجود صمت دولي عما يحدث للشعب السوري وما يتعرض له من انتهاكات بالرغم من هذه الهدن , فلا النظام السوري يلتزم بها ولا المجتمع الدولي يتخذ تدبيراً تجاهها , ويبقى الناس العزل وحدهم من يعاني وطئت هذه الخروقات وهذا التكتم والصمت حيال ما يحدث .