ظهر اسم “جبهة النصرة ” في يناير/ كانون ثاني عام 2012، حيث بدأت تنفيذ هجمات على مواقع للجيش السوري في إدلب قرب الحدود التركية، ليُنشر بعدها فيديو دعائي لأحد عناصر هذه الحركة، معلناً فيه عن تشكيل الجبهة بزعامة “أبو محمد الجولاني” الذي كان يخاطب الجميع بالتسجيلات الصوتية، دون ظهوره.
قُدّمت “جبهة النصرة” فرعاً للدولة الإسلامية في العراق، ليُعلن فيما بعد زعيم تلك الدولة في إبريل/ نيسان عام 2013، عن توحيد التنظيمين في بناء واحد، أطلق عليه اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام “، ما أوجد خلافاً عميقاً بين أمير “النصرة” وأبو بكر البغدادي، حيث سارع الجولاني إلى الإعلان عن استقلاليته تجاه القيادة في العراق، ويبايع، في الوقت نفسه، زعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان، أيمن الظواهري.
تميّزت جبهة النّصرة ببراعة التخطيط لهجماتها وسريّتها في آن واحد، وهو ما كان يجلبُ لها أفضل النتائج في ميدان المعركة، فالجبهة كانت تتفادى التواصل مع وسائل الإعلام. وفي المقابل، جعلت لها ناطقاً رسمياً هي “المنارة البيضاء”، والتي تختصّ ببثّ الفيديوهات والصور التي تُبثُّ دوماً بعد انتهاء المعارك.
تضمّ “جبهة النصرة”، في معظمها، مقاتلين سوريين ينتمون للتيار الإسلامي، وقد ساعدها هذا الأمر للانخراط، والعمل مع الفصائل المقاتلة في سورية، حيث جمعت بينهما معارك كثيرة ضد الجيش السوريّ بداية، إلى مواجهة الميليشيات الطائفية القادمة من لبنان وإيران، بوجود الدعم الروسي الذي جاء أيضاً.
تحولت عدة مناطق في شمال وشرق سورية، والتي ساهمت الجبهة في تحريرها، إلى ما يُدعى “مناطق محرّرة”، يعود لجبهة النصرة الفضل في مساعدة السكان، وإيجاد كيان بديل عن النظام الحكومي الذي كان يُسيّر الأمور الحياتية، ويّدير البنى التحتية في هذه المناطق، تمثّل هذا بإنشاء الجبهة هيئات مختلفة المهام، مثل توزيع الطعام والملابس والمنتجات الاستهلاكية، وفي تفعيل أنظمة الشرطة والقضاء والتربية والصحة.
على أيّة حال، تعطي جبهة النصرة، في الوقت الحالي، الأولوية في مقاتلة النظام السوريّ وإسقاطها، على تحكيم الشريعة الإسلامية في سورية، وتعزيز جدول عمل جهادي إقليمياً ودولياً، بانتهاجها سياسة براغماتية، تسعى فيها إلى التحالف مع مجموعات سورية مقاتلة تحمل فكراً إسلامياً.
لكن، يتوقع مراقبون حدوث انقلاب في السياسة التي تنتهجها الجبهة على المدى البعيد، إذ يتخوف بعضهم من استيلاء “النصرة” ومن معها على الثورة السورية (بعد نجاحها )، ليصبح الطريق متاحاً لقيام الخلافة الإسلامية في سوريا الكبرى، على الرغم من صعوبة تحقيق هذا الهدف بسبب الطابع الاجتماعي لسورية، لما تحويه من تعدد في الديانات والمذاهب، ووجود شرخ واضح بين الجماعات الإسلامية الناشطة في سورية. ومع ذلك، تبقى هذه المخاوف قائمة تجاه الثورة اليتيمة.
جبهة النصرة الآن بين خيارين لا ثالث لهما، إمّا أن تمضي في طريقها تحت مظلّة القاعدة وتحقيق الأهداف المرسومة من المنظمة الأم، أو أنّها تلتفت لهذا الشعب الذي احتضنها، ودافع عنها في مواقف كثيرة، أدّت إلى تخفيف الدعم المادي والسياسي لهذه الثورة وفصائلها.
العربي الجديد